في صباح يوم الثلاثاء، دوّى زلزال عنيف بلغت قوته 8.8 درجة على مقياس ريختر قبالة سواحل شبه جزيرة كامشاتكا في الشرق الأقصى الروسي. كان مركز الزلزال تحت مياه المحيط الهادئ وعلى عمق لا يتجاوز 19 كيلومترًا،
ما أثار تحذيرات واسعة النطاق من موجات تسونامي قد تضرب مناطق شاسعة على طول المحيط، من اليابان شرقًا إلى سواحل الولايات المتحدة غربًا.
الخبر انتشر بسرعة البرق عبر أنظمة الإنذار المبكر، وسارعت السلطات في اليابان والولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات فورية. في اليابان،
أصدرت الحكومة أوامر إجلاء لما يقرب من مليوني شخص في المناطق الساحلية الشرقية، خاصة في محافظات مثل فوكوشيما ومياغي. أنظمة الإنذار مثل “J-Alert” دوت عبر مكبرات الصوت،
وأرسلت رسائل نصية تحذيرية إلى الهواتف المحمولة، بينما بدأت محطات التلفزيون تغطي الحدث بشكل متواصل. ورغم أن البلاد معتادة على الزلازل، إلا أن التحذيرات هذه المرة كانت أكثر شمولاً بسبب مخاوف من موجات تسونامي ضخمة.
في فوكوشيما، تم إخلاء محطة الطاقة النووية كإجراء احترازي، واستُدعيت فرق الطوارئ تحسبًا لأي طارئ مشابه لكارثة عام 2011. في مدينة سينداي، سُجلت موجات تجاوز ارتفاعها 1.3 متر، لكنها لم تُسفر عن أضرار تُذكر.
وعلى الرغم من كثافة الإجلاء، لم تُسجل سوى وفاة واحدة تعود لامرأة قُتلت أثناء محاولتها الفرار بسيارتها، إضافة إلى إصابات طفيفة في بعض المناطق.
أما في الولايات المتحدة، فقد أعلنت سلطات ولاية هاواي حالة التأهب القصوى، خاصة في جزيرتي أواهو والجزيرة الكبيرة. وأُصدرت أوامر إخلاء للسكان القريبين من الساحل، بينما انتشرت الشرطة لتنظيم حركة المرور.
شهدت الطرق الرئيسية ازدحامًا هائلًا مع تدافع الناس إلى المرتفعات، ما تسبب بتأخير عمليات الإجلاء. رغم المخاوف، سجلت الأمواج ارتفاعات معتدلة بلغت نحو 1.7 متر في بعض مناطق هاواي، دون أن تُسجل أضرار كبيرة.
الساحل الغربي للولايات المتحدة لم يكن بعيدًا عن التهديد؛ فمدن مثل سان فرانسيسكو وسياتل وضعت تحت تحذير تسونامي لفترة محدودة. وسجلت موجات صغيرة تجاوزت مترًا واحدًا في Crescent City بولاية كاليفورنيا، لكن دون أضرار تُذكر. لاحقًا، تم رفع التحذيرات بشكل تدريجي بعد أن تبيّن أن الخطر قد انحسر.
اللافت في هذا الحدث أن الأضرار كانت محدودة مقارنة بحجم الزلزال، وذلك بفضل الاستجابة السريعة وأنظمة الإنذار الحديثة التي ساهمت في تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى.
لكن في المقابل، سلطت الأزمة الضوء على نقاط ضعف في خطط الإخلاء، خاصة في المناطق السياحية مثل هاواي، حيث أدى تدافع السكان والزوار إلى تعطيل حركة السير وتأخير عمليات الإخلاء، ما استدعى مطالب بمراجعة الخطط وتحسينها.
هكذا مرّ اليوم الذي حبست فيه منطقة المحيط الهادئ أنفاسها، بسلام نسبي. زلزال مدمر، وإنذار تسونامي شامل، وإجلاء بالملايين،
لكن الخسائر كانت أقل بكثير مما كان يُخشى. ويعود الفضل في ذلك إلى الدروس المستفادة من كوارث ماضية، والتطور الهائل في تقنيات الرصد والإنذار.
في أعقاب الزلزال الهائل الذي ضرب شرق روسيا، توالت تحليلات الخبراء في الزلازل وإدارة الكوارث والمحيطات لتفكيك ما جرى، وتقييم فعالية الاستجابة، والتنبؤ بما يجب تعلّمه استعدادًا للزلزال القادم.
من اليابان، قال الدكتور هيروشي ناكامورا، أستاذ علم الزلازل في جامعة كيوتو، إن الزلزال الذي بلغت قوته 8.8 درجات يُعد من نوع “ميغاثراست” النادر، وهو ما يُعرف بالزلزال الانزلاقي الهائل عند التقاء الصفائح التكتونية.
وأوضح أن ما جنّب اليابان موجات تسونامي مدمرة هو عمق الزلزال النسبي واتجاه تمزق الصدع، بالإضافة إلى التضاريس البحرية التي امتصت كثيرًا من طاقة الموجة.
وأضاف أن طبيعة قاع البحر في منطقة الزلزال تختلف عن مناطق أكثر انحدارًا، مما يخفف من شدة التسونامي المحتمل.
أما في الولايات المتحدة، فقد شدد خبراء “مركز التحذير من التسونامي في المحيط الهادئ” (PTWC) على أن الأنظمة الآلية والذكية التي جرى تطويرها خلال العقد الماضي أثبتت فعاليتها الكاملة،
حيث صدر أول تحذير رسمي بعد أقل من ثلاث دقائق من وقوع الزلزال. وأشار المركز إلى أن الإنذار السريع أتاح لحكومات مثل اليابان والولايات الأمريكية فرصة ثمينة لتفعيل خطط الطوارئ قبل وصول الموجات.
ورغم هذه السرعة، لم تكن الاستجابة الميدانية مثالية في جميع الأماكن. فالدكتورة ليزا رودريغيز، المتخصصة في إدارة الكوارث بجامعة كاليفورنيا، لفتت الانتباه إلى حالة الارتباك التي شهدتها هاواي، حيث تدافع آلاف السكان والسياح إلى الطرق المؤدية إلى المرتفعات، ما تسبب بزحام مروري خانق أعاق عمليات الإخلاء.
وأشارت رودريغيز إلى أن الخوف المفاجئ يدفع الناس أحيانًا إلى التصرف بطريقة عشوائية، مما يُبرز الحاجة إلى تدريب دوري على خطط الإخلاء، ووجود مسارات واضحة وسريعة للهروب، خاصة في المدن الساحلية والمناطق السياحية.
ومن طوكيو، أثنى البروفيسور كينجي سوزوكي، المتخصص في علوم المحيطات، على نظام “J-Alert” الياباني، الذي أرسل تحذيرات إلى الهواتف المحمولة ومكبرات الصوت العامة في غضون عشر ثوانٍ فقط.
وقال سوزوكي إن نجاح النظام لا يُقاس فقط بسرعة الإرسال، بل بمدى التفاعل المجتمعي معه، وهو ما رأيناه في الالتزام المنضبط الذي أبداه المواطنون اليابانيون عند صدور التحذير، مقارنة بحالة الذعر التي حدثت في بعض مناطق الولايات المتحدة.
واتفق الخبراء جميعًا على أن الخسائر المحدودة نسبيًا — مقارنة بحجم الزلزال والتحذيرات التي أُطلقت — كانت ثمرة مزيج من التقدم التكنولوجي والخبرة التراكمية، خاصة بعد كارثة تسونامي 2011 في اليابان. لكنهم أيضًا حذروا من التهاون، مؤكدين أن “الزلزال القادم” قد يكون في منطقة أكثر قربًا من المراكز السكانية، أو قد تضرب موجاته دون الوقت الكافي للرد.
لقد كان هذا الحدث، كما وصفه أحدهم، “بروفة ناجحة على حافة الكارثة”. فبينما تنفّست المدن الساحلية الصعداء هذه المرة، يبقى التحدي الأكبر في استخلاص العبر، وسدّ الثغرات، لأن الطبيعة لا تمنح فرصًا ثانية دائمًا.