يُعد خافيير ميلي، الرئيس الأرجنتيني المنتمي للتيار اليميني المتطرف، شخصية استقطابية منذ توليه الرئاسة في نوفمبر 2023. مواقفه الداعمة بقوة لإسرائيل، بما في ذلك تعهداته بنقل سفارة بلاده إلى القدس وتصنيف “حماس” و”حزب الله” كمنظمات إرهابية، جعلته محط اهتمام دولي. زيارته المرتقبة لإسرائيل في يونيو 2025 لتسلم جائزة “جينيسيس” بقيمة مليون دولار، تُسلط الضوء على تعقيدات العلاقات الدولية، خاصة في سياق التوترات الإقليمية المرتبطة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. هذا التقرير يستعرض دوافع الزيارة، ردود الفعل الدولية والإقليمية، والتداعيات المحتملة.
خلفية الزيارة وجائزة “جينيسيس”
تُمنح جائزة “جينيسيس” منذ عام 2014 لأفراد أظهروا “التزاماً استثنائياً” بدعم إسرائيل أو القيم اليهودية. الفائزون السابقون، مثل مايكل بلومبرغ وستيفن سبيلبرغ، يعكسون تنوع المكرمين، من رجال أعمال إلى فنانين وسياسيين. اختيار ميلي لهذه الجائزة يعكس مواقفه السياسية، خاصة تغييره لسياسة الأرجنتين التقليدية في الأمم المتحدة، حيث كانت بوينس آيرس غالباً ما تصوت ضد إسرائيل. كما أن إعلانه عن إعادة فتح التحقيقات في هجمات التسعينات ضد أهداف يهودية في الأرجنتين، مثل تفجير السفارة الإسرائيلية عام 1992 ومركز AMIA عام 1994، عزز صورته كحليف قوي لإسرائيل.
ومع ذلك، فإن تعهد ميلي بنقل السفارة إلى القدس، وهي خطوة مثيرة للجدل دولياً، لم تُنفذ بعد، حيث واجهت معارضة داخلية في الأرجنتين، بما في ذلك اعتراضات قانونية من البرلمانيين اليساريين استناداً إلى قانون يحظر إقامة سفارات في مناطق متنازع عليها.
الدعم من إسرائيل والولايات المتحدة
إسرائيل رحبت بشدة بزيارة ميلي، معتبرة إياه حليفاً استراتيجياً في أميركا اللاتينية. تصريحاته الداعمة، بما في ذلك تصنيف “حماس” و”حزب الله” كمنظمات إرهابية، تتماشى مع السياسة الإسرائيلية والأمريكية. كما أن إعلانه عن التبرع بمبلغ الجائزة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول أميركا اللاتينية ومكافحة معاداة السامية، عزز من شعبيته بين الأوساط المؤيدة لإسرائيل.
في الولايات المتحدة، التي نقلت سفارتها إلى القدس في 2018، تلقى ميلي دعماً من الأوساط المحافظة، خاصة بعد حضوره مؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC) في بوينس آيرس عام 2024، حيث دعا إلى “حرب ثقافية” ضد اليسار، وهو خطاب يتماشى مع بعض التوجهات السياسية الأمريكية.
الانتقادات من دول إسلامية ومنظمات فلسطينية
على الجانب الآخر، أثارت زيارة ميلي وتعهده بنقل السفارة غضباً في الأوساط الفلسطينية وبعض الدول الإسلامية. انسحابه من لقاء مع سفراء 19 دولة إسلامية في الأرجنتين بعد علمه بوجود ممثل فلسطيني يعكس حساسية موقفه. منظمات فلسطينية ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، مثل X، وصفوا الجائزة بأنها “مكافأة سياسية” تهدف إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي في أميركا اللاتينية، واعتبروا دعم ميلي لإسرائيل “خيانة” للمواقف التقليدية للأرجنتين الداعمة للقضية الفلسطينية.
المواقف الأوروبية: تحول نحو الانتقاد
في أوروبا، حيث شهدت العلاقات مع إسرائيل تحولاً نحو الانتقاد بسبب الحرب في غزة، يُنظر إلى دعم ميلي الصريح لإسرائيل على أنه استثناء عن التيار السائد. العديد من العواصم الأوروبية، التي كانت تقليدياً حليفة لإسرائيل، بدأت تتبنى مواقف أكثر وضوحاً في انتقاد السياسات الإسرائيلية، خاصة في ظل التوترات الإنسانية في غزة. هذا يجعل موقف ميلي محط تساؤل، حيث يُنظر إليه كجزء من تحالف يميني عالمي يضم شخصيات مثل دونالد ترامب.
ردود الفعل الإقليمية في أميركا اللاتينية
في أميركا اللاتينية، أثارت زيارة ميلي جدلاً داخلياً وإقليمياً. في الأرجنتين، واجهت خطواته المؤيدة لإسرائيل معارضة من اليساريين والمجتمع المدني، الذين يرون أن هذه السياسات تنحرف عن الموقف التقليدي للأرجنتين الداعم للقضية الفلسطينية. قرار نقل السفارة إلى القدس، على سبيل المثال، تم رفضه جزئياً بسبب قانون أرجنتيني يحظر إقامة سفارات في مناطق متنازع عليها، مما أثار انتقادات لميلي بأنه يتجاهل السيادة القانونية لبلاده.
على المستوى الإقليمي، دول مثل فنزويلا وكوبا، التي تتبنى مواقف مناهضة لإسرائيل، انتقدت ميلي بشدة، معتبرةً دعمه لإسرائيل جزءاً من أجندة “إمبريالية” تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. في المقابل، دول مثل باراغواي وغواتيمالا، التي نقلت سفاراتها إلى القدس سابقاً، رحبت بمواقف ميلي كخطوة لتعزيز العلاقات مع إسرائيل.
الدوافع
تعزيز الصورة السياسية: يسعى ميلي لتعزيز صورته كزعيم عالمي في الأوساط اليمينية، خاصة من خلال تحالفه مع إسرائيل والولايات المتحدة. الجائزة تُعد أداة لتعزيز هذه الصورة.
الاقتصاد والدبلوماسية: إعلان ميلي عن التبرع بمبلغ الجائزة لتحسين العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأميركا اللاتينية قد يكون محاولة لجذب استثمارات إسرائيلية إلى الأرجنتين، التي تعاني من أزمة اقتصادية.
الانحياز الأيديولوجي: كونه “رأسمالياً فوضوياً”، يرى ميلي في إسرائيل نموذجاً للديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الحر، وهي قيم يروج لها في سياسته الداخلية.
التداعيات
توترات إقليمية: دعم ميلي الصريح لإسرائيل قد يؤدي إلى توترات مع دول أميركا اللاتينية الأخرى، خاصة تلك التي تدعم القضية الفلسطينية.
استقطاب داخلي: في الأرجنتين، قد تؤدي هذه الزيارة إلى تصعيد الانقسامات السياسية بين اليمين واليسار، خاصة مع استمرار الجدل حول نقل السفارة.
تأثير على صورة الأرجنتين دولياً: قد تُنظر الأرجنتين الآن كجزء من تحالف يميني عالمي، مما قد يؤثر على علاقاتها مع دول الشرق الأوسط ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة.
زيارة خافيير ميلي لإسرائيل وتسلم جائزة “جينيسيس” ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر والفرص. من جهة، تعزز مكانة ميلي كزعيم يميني عالمي، لكنها من جهة أخرى تثير جدلاً داخلياً وإقليمياً قد يعقد العلاقات مع دول أخرى. في ظل التوترات الإقليمية المستمرة في الشرق الأوسط، تظل هذه الزيارة رمزاً للاستقطاب السياسي العالمي، حيث يجد ميلي نفسه في قلب نقاش حاد حول السياسة الدولية والقضية الفلسطينية-الإسرائيلية.