في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، كشفت شبكة “فوكس نيوز” الأميركية أن الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، التقى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعددًا من كبار المسؤولين في البيت الأبيض، لمناقشة جهود خفض التصعيد مع إيران، وذلك يوم الخميس، بحسب ما نقلته وكالة رويترز. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يُصدر بيانًا رسميًا فور اللقاء، فإن تسريبه عبر فوكس نيوز، الشبكة المقرّبة من دوائر صنع القرار الجمهوري، يشير إلى أن الزيارة كانت تحمل رسائل متبادلة ذات طبيعة أمنية واستراتيجية معقدة.
أهمية توقيت اللقاء
تأتي هذه الزيارة في ظل تصاعد غير مسبوق للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، على خلفية عدة تطورات متزامنة: منها استمرار العقوبات الأميركية الخانقة على طهران، وتصاعد الضربات المتبادلة بين حلفاء الطرفين في المنطقة، وزيادة الهجمات على المصالح الأميركية في العراق وسوريا، إلى جانب تهديدات إيرانية متكررة بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لإمدادات الطاقة العالمية. كل هذه الأحداث جعلت من اللقاء محطة بالغة الأهمية من حيث التوقيت والدلالات، خاصة أنه جرى في وقت باتت فيه منطقة الخليج على شفا مواجهات مفتوحة.
ويكتسب التوقيت بعدًا آخر، إذ أن الزيارة وقعت في وقت تتحدث فيه أوساط أميركية عن إعادة رسم السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، سواء في ما يتعلق بالوجود العسكري، أو بإعادة ترتيب العلاقات مع الحلفاء الخليجيين، أو حتى في التعامل مع الملف النووي الإيراني الذي عاد مجددًا إلى طاولة التفاوض في فيينا.
محاولة لإعادة ضبط قواعد الاشتباك
الزيارة تُقرأ ضمن محاولة لإعادة ضبط قواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران، بعد سلسلة من الحوادث التي زادت من احتمالات الانفجار. وتشير مصادر دبلوماسية مطلعة إلى أن الرياض تسعى جاهدة لتجنب التصعيد العسكري المباشر مع إيران، خاصة بعد أن أثبتت الهجمات على منشآت “أرامكو” في سبتمبر 2019 مدى هشاشة البنية النفطية في الخليج أمام الطائرات المسيّرة الإيرانية أو الموالية لها.
ويبدو أن اللقاء كان يهدف في أحد أبعاده إلى حثّ الإدارة الأميركية على ممارسة ضغط متوازن على إيران دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة قد تدفع المنطقة بأسرها نحو هاوية من الفوضى، مع تأكيد الجانب السعودي على أهمية التنسيق الاستخباراتي والعسكري بين الجانبين.
ترامب والورقة الإيرانية: عودة محتملة
اللقاء حمل أيضًا بعدًا سياسيًا داخليًا أميركيًا، إذ يأتي في ظل عودة دونالد ترامب إلى الواجهة الانتخابية، وترشحه المحتمل لانتخابات 2024. وتحمل مثل هذه اللقاءات إشارات إلى الحلفاء التقليديين بأن ترامب لا يزال فاعلًا في الملف الإقليمي، وأنه قد يعود إلى إعادة إحياء نهج “الضغط الأقصى” الذي تبناه ضد إيران خلال ولايته السابقة.
من جهة أخرى، فإن استقبال ترامب لوزير الدفاع السعودي بينما لا تزال الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن مترددة في استئناف العلاقة مع الرياض بنفس الزخم السابق، يعكس رغبة السعودية في الاحتفاظ بخطوط تواصل قوية مع مختلف التيارات داخل الولايات المتحدة، سواء الديمقراطية أو الجمهورية.
انعكاسات إقليمية محتملة
إقليمياً، تشير هذه الزيارة إلى استمرار اعتماد السعودية على المظلة الأمنية الأميركية، رغم الحديث المتزايد عن تنويع الحلفاء والانفتاح على قوى إقليمية كالصين وروسيا. كما تعكس مخاوف متزايدة لدى دول الخليج من عودة الاتفاق النووي مع إيران بنسخة لا تلبي هواجسهم الأمنية، خصوصًا ما يتعلق بتقليص النفوذ الإيراني في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
وتفيد بعض التقارير أن الرياض أبدت خلال اللقاء قلقًا من الاتفاق الجزئي المرتقب بين طهران وواشنطن، والذي قد يتيح لإيران الإفراج عن جزء من أموالها المجمدة، مقابل خفض جزئي لتخصيب اليورانيوم، دون التطرق بعمق إلى برنامج الصواريخ الباليستية أو دعم الميليشيات الإقليمية. وهو ما تعتبره السعودية ومعها الإمارات تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة.
ماذا بعد اللقاء؟
من غير المتوقع أن يُترجم هذا اللقاء إلى خطوات سياسية علنية فورية، لكن من المؤكد أنه جاء ضمن اتصالات أوسع بين واشنطن وحلفائها الخليجيين لإعادة ترتيب أوراق المنطقة. وسيعتمد مستقبل تأثير هذا الاجتماع على مجريات الأحداث على الأرض، وتحديدًا على سلوك إيران خلال الأسابيع المقبلة، خاصة في ما يتعلق ببرنامجها النووي، وتحركاتها عبر الوكلاء الإقليميين.
ورغم أن اللقاء عُقد خلف الأبواب المغلقة، فإن مجرد الإعلان عنه عبر شبكة محسوبة على التيار المحافظ الأميركي، يعطي إشارات متعمدة بأن هناك خطوط حوار لا تزال مفتوحة بين البيت الأبيض السابق والسعودية، وأن أدوات الضغط ما تزال قيد الاستخدام.
الاجتماع بين الأمير خالد بن سلمان ودونالد ترامب في هذا التوقيت المحوري يعكس حجم القلق السعودي من تسارع الأحداث في المنطقة، وسعي الرياض إلى تثبيت موقعها في المعادلات الدولية القادمة، لا سيما في ظل ما يُتوقع من تحولات على مستوى السياسات الأميركية الخارجية، وتغيرات محتملة في البيت الأبيض خلال السنوات القادمة. اللقاء لم يكن بروتوكولياً، بل هو جزء من معركة دبلوماسية وصراعات صامتة تُرسم ملامحها خلف الكواليس، استعدادًا لمستقبل مضطرب في الشرق الأوسط.