يُعد سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) محور نزاع إقليمي معقد بين إثيوبيا ودولتي المصب، مصر والسودان، بسبب تأثيراته المحتملة على الأمن المائي والاقتصادي. مع إعلان إثيوبيا اكتمال بناء السد في أكتوبر 2024، وتخطيطها لافتتاحه الرسمي في سبتمبر 2025،
لم يصدر عن السودان بيان رسمي مباشر بعد إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اكتمال السد في يوليو 2025، لكن تصريحات سابقة تعكس موقفًا متشددًا. أعرب السودان عن قلقه من الإجراءات الأحادية الإثيوبية، خاصة بعد بدء إنتاج الكهرباء في 2022. الخبير السوداني في القانون الدولي، أحمد المفتي، وصف الدعوة الإثيوبية لحضور الافتتاح بأنها “عمل خبيث” يهدف إلى تقنين الإجراءات الإثيوبية غير المشروعة، محذرًا من أن قبولها قد يقوض حقوق السودان ومصر القانونية.
هناك تنسيق وثيق بين مصر والسودان، أكدته اجتماعات تشاورية في القاهرة فبراير 2025، حيث شدد الطرفان على “مخاطر السد” وضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم الملء والتشغيل، خاصة في أوقات الجفاف. هذا التنسيق يعكس وحدة الموقف ضد الإجراءات الأحادية، رغم تحديات السودان الداخلية التي قد تضعف دوره في التصدي للأزمة.
في سبتمبر 2024، تقدم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بخطاب إلى مجلس الأمن، مسجلاً اعتراض مصر على الملء الأحادي للسد، معتبرًا إياه خرقًا لاتفاق إعلان المبادئ (2015) والبيان الرئاسي لمجلس الأمن (2021). لم يصدر عن المجلس قرارات ملزمة جديدة حتى يوليو 2025، مما يعكس صعوبة فرض ضغوط دولية على إثيوبيا.
مصر تسعى لتنسيق دبلوماسي مع دول مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، لكن المعلومات المتاحة تشير إلى محدودية النتائج. الولايات المتحدة، التي توسطت سابقًا، دعت في 2021 إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي، لكنها لم تمارس ضغوطًا مباشرة على إثيوبيا مؤخرًا. الصين، التي تمتلك استثمارات كبيرة في إثيوبيا، تبدو حذرة، بينما لم تُظهر روسيا موقفًا واضحًا يدعم مصر أو السودان.
الجامعة العربية دعمت موقف مصر والسودان، مؤكدة أن الإجراءات الإثيوبية تهدد الأمن المائي. لكن الاتحاد الإفريقي، الذي يرعى المفاوضات منذ 2019، فشل في تحقيق اختراق، حيث توقفت المحادثات بعد جولة كينشاسا (2021). إثيوبيا استغلت استضافتها لاجتماعات مبادرة حوض النيل للترويج للسد، مما أثار رفضًا مصريًا.
الولايات المتحدة أعربت في جلسة مجلس الأمن 2021 عن دعمها لمفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي، لكن موقفها وصف بـ”المتميع” من قبل بعض المحللين المصريين، مما يشير إلى غياب ضغط قوي على إثيوبيا. الاتحاد الأوروبي، كمراقب في المفاوضات، دعا إلى حل تفاوضي يراعي مصالح الدول الثلاث، لكنه لم يتخذ خطوات ملموسة للضغط على أديس أبابا. هذا الصمت النسبي يعكس تعقيدات المصالح الدولية، خاصة مع دعم الصين ودول أخرى لإثيوبيا.
سد النهضة يهدد الأمن المائي في مصر، التي تعتمد على النيل بنسبة 97% للري والشرب. تقديرات تشير إلى أن نقص حصة مصر (55.5 مليار م³ سنويًا) قد يكلف الخزانة المصرية 10 مليارات جنيه لكل مليار م³ محجوز، بسبب تكاليف تحلية المياه وإعادة تدوير الصرف الزراعي. الحكومة المصرية حظرت زراعة الأرز في بعض المحافظات وقللت من زراعة الموز وقصب السكر، مما أثر على المزارعين وأجبرهم على تغيير الأنماط الزراعية. على المدى الطويل، قد يؤدي نقص المياه إلى هجرة المزارعين إلى المدن أو خارج مصر، مما يفاقم التحديات الاجتماعية.
بينما التقرير الإسرائيلي لم ينكر أو يؤكد صراحةً وجود دور سياسي أو استخباراتي إسرائيلي، لكنه أشار إلى استثمارات صينية تشمل أنظمة رادار متطورة، مما قد يُلمح إلى دعم غير مباشر لإثيوبيا. في الإعلام العربي، هناك اتهامات متكررة لإسرائيل بدعم إثيوبيا فنيًا وعسكريًا، بما في ذلك توفير صواريخ بايثون ومنظومات دفاع جوي. لكن هذه الادعاءات تفتقر إلى أدلة قاطعة، ويبدو أن التقرير تجنب التطرق المباشر لهذا الدور لأسباب سياسية.
إذا بدأت إثيوبيا التشغيل الكامل دون اتفاق
تشغيل السد بكامل طاقته (5150 ميجاوات) دون اتفاق قد يقلل تدفق المياه إلى مصر والسودان، مما يهدد الزراعة والاحتياجات المعيشية. السودان قد يواجه مخاطر إضافية، مثل الفيضانات المفاجئة بسبب قرب سد الروصيرص (100 كم من السد).
أكدت مصر أن “كل الخيارات مفتوحة”، مع تصريحات الرئيس السيسي بأن المساس بمياه مصر “خط أحمر”. لكن الأزمة الاقتصادية وقيود الديون (7.49 مليار دولار من صندوق النقد الدولي) تحد من الخيارات العسكرية. مصر تعتمد حاليًا على الضغط الدبلوماسي واللجوء إلى مجلس الأمن.
البدائل المائية
تحلية المياه: مصر تستثمر في محطات تحلية، لكن تكلفتها مرتفعة (10 مليارات جنيه لكل مليار م³).
إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي: مشاريع لإعادة استخدام المياه للري، لكنها لا تعوض النقص الكلي.
تعديل التركيب المحصولي: تقليل زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل الأرز والموز.
استصلاح الأراضي: مشروعات مثل “جنوب الوادي” تهدف إلى تعويض الأراضي المتضررة، لكنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة.
لم تُسجل احتجاجات شعبية كبيرة بعد إعلان إثيوبيا، لكن هناك قلق متزايد في الأوساط السياسية. نواب البرلمان المصري، مثل أعضاء لجنة الشؤون الإفريقية، دعوا إلى تصعيد التحركات الدبلوماسية وتدويل القضية. تصريحات الرئيس السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي، التي أكدت وصول المفاوضات إلى “طريق مسدود”، عززت من الخطاب الشعبي الداعي للدفاع عن الأمن المائي.
توضح موقع السد في إقليم بنيشنقول-قماز، على بعد 14 كم من الحدود السودانية، ومسار النيل الأزرق نحو مصر والسودان.
خط زمني لمراحل بناء السد
2011: وضع حجر الأساس.
2017: تأخيرات بسبب تحديات مالية وفنية.
2020: بدء الملء الأول (4.9 مليار م³).
2021-2023: الملء الثاني إلى الرابع (إجمالي 42 مليار م³).
2024: اكتمال الملء الخامس (64 مليار م³).
2025: الافتتاح الرسمي المخطط في سبتمبر.
اقتباسات مباشرة
آبي أحمد (رئيس الوزراء الإثيوبي): “سد النهضة ليس تهديدًا، بل فرصة مشتركة. إنه رمز للتعاون الإقليمي والمنفعة المتبادلة”.
هاني سويلم (وزير الري المصري): “مصر ترفض بشكل قاطع أي محاولات لأن تكون التنمية في إثيوبيا على حساب حقوق دولتي المصب”.
تقييم استراتيجي: السيناريوهات القادمة
التسوية: استئناف المفاوضات برعاية دولية (الاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة)، مع ضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاق ملزم.
التجميد: استمرار الوضع الراهن مع تحركات دبلوماسية مكثفة من مصر والسودان، دون تصعيد عسكري.
المواجهة: تصعيد عسكري محدود أو غير مباشر (مثل ضربات جوية)، محفوف بالمخاطر بسبب الدفاعات الإثيوبية والدعم الدولي لأديس أبابا.
أزمة سد النهضة تمثل تحديًا وجوديًا لمصر والسودان، مع تعقيدات دبلوماسية واقتصادية. التنسيق المصري-السوداني مستمر، لكنه يواجه تحديات بسبب الوضع السياسي في السودان والدعم الدولي المحدود. مصر تعتمد على الدبلوماسية والتدويل، مع استثمارات في بدائل مائية لتخفيف الأثر. إسرائيل، رغم الادعاءات، لا يوجد دليل قاطع على دورها المباشر. السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار التوترات دون تصعيد عسكري فوري، مع ضرورة إيجاد حل دبلوماسي لتجنب أزمة إقليمية.