أقلام حرة

سعاد دعوب تكتب: السنوار.. علو في الحياة والممات!

ترجل الفارس ومضى رجلا.. كما عاش.

أمثال هذه الخرافات البطولية لا تحدث كثيرا في حياة البشر الواقعية، إنها جزء من الأساطير التي تغذي بها أمهات الأبطال أبناءهن في مهاد الطفولة، وهن يعددنهم لخلافة آبائهم من الملوك والأشراف، حكايا من نسج الخيال.

وُجدت الخرافة والأسطورة ولم توجد ممهداتها الطبيعية التي نعرفها، فالرجل لم يكن ملكا ولا ابن ملك، لم يعش طويلا ليؤكد أن الأساطير وصناعة المستحيلات رهن الوقت والملابسات، وما عاشه كان أسطورة وحده، وكافيا لإثبات أن الأساطير تحصل في الواقع وليس فقط في الخيال.

ولد ليثبت أن الإرادة تصنع المستحيل، وأن قوة الحق لا يقف أمامها شيء، وأن الإخلاص يحول قذائف الحجر إلى قذائف من سجيل.

هذا الفارس الذي ترجل صهوة المستحيل، نشأ في خيمة وليس في مهد تهزه أم راغدة، وُلد وعاش في مرحلة ضياع للقضية وشتات لحملتها، كانت تنتقل بجيلنا وجيل من قبلنا بين لحظات ضعف وضياع، ومشاعر انهزام وخزي وشتات.

اختار معركة لم تترك مسؤولا عربيا إلا وفضحته، ولا رمزا سياسيا إلا وهوت به، عاش هذا الرجل ثلث عمره في الأسر، وخرج بصفقة أديرت بذكاء وتخطيط لسنوات، عرفنا أخيرا أنها كانت تستحق.

لقد بعث الله بالسنوار حياة الأمة الإسلامية كلها وليس غزة وفلسطين وحدها، لقد أذل الله به أسطورة الكيان الذي لا يهزم، ببضعة أفكار ذكية لا تخطر على بال، يمكن لصبي صغير فعلها، وهذا يؤكد أن صدق النوايا أبلغ من قوة الوسائل والأسباب.

انظر إلى هذه الهيبة التي كتب الله له أن ترتقي روحه عليها، مسرعة لربها وتغادر هذا الجسد النحيل الهمام، بهيبة المقاتل الشرس، سلاحه غنيمة حرب، ولباسه زي المحارب المقاتل بالسنن، سنن الفرائض وسنن المكارم والأخلاق، مزودًا بعدة المحارب النظامي: أذكاره وسلاحه والإخلاص، وشيء يعينه على طهارة أصابعه التي تتلو أوراد تسبيحه، وصليات السلاح.

شيء ما بينه وبين الله، جعل هذه الحياة القصيرة تختم بمشهد درامي بطولي يشبه الأساطير:

شزرة أسد، ووثبة جارح، وحدقة واثق غيور، خاتمة كحياته التي عاش عليها، يد تدبر الدنيا بساعة زمن، و أخرى تضمد جراح الوطن بوهج السلاح.

 وجبهة عالية تتلو ورد الأنفة والرفعة والكبرياء نال منها وسامُ الشهادة وأبقى على ملامح العزة والنهضة والإباء.

كم مات من زعيم عربي فارا في موكبه، وكم مات سياسي عربي مختبئا في جحره، وكم سقط رمز مجدناه سقوطا أخلاقيًا مدويا، أنسانا هالات المجد والكبرياء.

وكم ناضل السنوار وكم راوغ وكم كر وفر، لكن الله أبى إلا أن يختار له ميتة قصف الصدفة والقدر، بعزة وفخار، لا قتل الغدر بالغيلة والاستعداد.

 لتسطر شهادته الخاتمة في كتاب الأساطير والبطولات، يد على وطنه ويد على السلاح، ورأس أشم يعانق بوابة السماء، ولا نامت أعين الجبناء.

سعاد دعوب

كاتبة من ليبيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights