أقلام حرة

سعاد عبد الله تكتب: روحٌ بألفِ روح..  وألفُ مئذنة!!

لم تزُل الدنيا ولا أهون ما فيها، ولم تهدم الكعبة حجرا حجرا وهي عندنا أغلى ما فيها، إلا أنها روح في إثر روح تتزاحم على دروب السموات، ومئذنة وألف مئذنة تتساقط على أخاديد أرض الزيتون المباركة التي تستحق الحياة.

طاف وسعى وخلف المقام صلى، رباه: لبيك ثم لبيك، رباه لبيك وسعديك، رباه عبدك الضعيف يناديك، بحب الله مكتفيًا وبالإقبال عليه منتشيًا، بمشاعر صادقة ودموع حرى، الحمد لله لم تزُل الدنيا ولم يزُل البيت.

 بيت بألف بيت ومئذنة بألف مئذنة، ثم الحمد لله لا تزول قدما عبد حتى يسأل عمرك فيما أفنيته، وعلمك فيما أعملته، ومالك فيما اكتسبته وفيما أنفقته، وهذه الأرواح التي ترحل وهذه المآذن التي تركع ساجدةً شاهدةٌ عليك.

الأرواح الصاعدة إلى ربها تخبره عن الطواف عشرًا ثم عشر، من أجل لقمة خبز سائغة، تُختـَم بركعتي المقام تحت قصف مسيرة غادرة، وترفع له سبحانه هذه التلبيات المتكررة التي تشبه لحد ما تلبيات المنبثقين من تحت الأرض، اللهم مارميتَ لا ما رمى.

تقام المحافل والمهرجانات في البلد الحرام وتسيل الدماء المذكاة في المناسبات السعيدة وما أكثرها هذه الأيام، بينما تسيل في شوارع غزة دماء البائسين العاجزين والمقاومين.

روح أزهقت وألف روح، أما الروح فروح هذا الدين الذي يطوف حول كعبته الإخوة بالملايين، روح الشريعة القاصدة لحماية ” الدين والنفس والمال والعرض “، هذه الكليات التي شرعت من أجلها أحكام الجهاد والتوحيد والحدود والفروع كلها، سفحت كما استبيحت دماء الآلاف من قبل في ميادين التحرير والحرية والتغيير في عالمنا العربي، بسطوة أنظمة الحكم المستمدة لقوتها من فقه أدعياء الحكم بالقرآن والسنة وأموال سلاطينهم.

آلاف الأرواح أزهقت وهي تتلو القرآن وتسدد آخر نفس نحو آخر مئذنة، وتحمي صدر الدين بعرى الوتين، وأشلائه الممزقة، وبينما تعلو أصوات الابتهاج والغناء حول «مكةِ الدين» تهتز الأرض على وقع صواريخ العدوان في غزة ولبنان، ثم يقولون: أفسدتم الأخوة الإيمانية والولاء والبراء؟!

صلاة آخر الليل تحت الأرض تزف ركعاتها شهيدا إثر شهيد وروحا خلف روح نحو كعبة الروح المقدسة، فتتم ركعاتها بتسابيح الصلي الحامي تجاه العدو في السموات، وتنتهي بسجود الزيادة لا سجود نقصان، ثم لتختم بتسليم الروح، من غير تحية تسليم.

آلاف الأرواح أزهقت، وآلاف المآذن هدمت والكعبة ولله الحمد آمنة، يحرسها من يحرس قاتل الآلاف المؤلفة في فلسطين والطائفون حولها شبعى الأرواح ملأى البطون والأفئدة، وطواف الأرواح لا يتوقف عن لقمة خبز عن نقمة موت عن شظية صاروخ مزقت مصحفا أومئذنة.

عن أنس قال، قال رسول الله: «من آذى مسلمًا بغير حق، فكأنما هدم بيت الله»، وعنه وقد نظر إلى الكعبة، فقال: «لقد شرفك الله، وكرمك، وعظمك، والمؤمن أعظم حرمة منك».

اللهم لا طوافا ولا عمرة، اللهم غزة!!

سعاد عبد الله دعوب

[email protected]

سعاد دعوب

كاتبة من ليبيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى