في خطوة وُصفت بأنها ضربة قاصمة لفكرة الدولة الفلسطينية، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أمس الخميس 14 أغسطس 2025، عن إطلاق مشروع استيطاني ضخم في منطقة E1 الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم،
يتضمن بناء أكثر من 3,400 وحدة سكنية. لم يكتفِ سموتريتش بوصف المشروع بأنه توسع عمراني، بل صرّح علنًا أنه يهدف إلى “دفن فكرة إقامة دولة فلسطينية” بشكل نهائي،
معتبرًا أن ربط المستوطنات بالقدس وقطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها هو “خطوة استراتيجية لحماية أمن إسرائيل ومستقبلها” (رويترز).
المشروع الذي ظل مجمدًا لعقود بسبب معارضة المجتمع الدولي، يعود إلى الواجهة الآن في ظل أجواء سياسية متوترة،
حيث يرى محللون أن تنفيذه سيقسم الضفة الغربية فعليًا إلى شطرين، ويجعل أي حديث عن دولة فلسطينية متصلة الأطراف مجرد حلم بعيد. فبمجرد إقامة هذه الوحدات، ستُعزل القدس الشرقية عن باقي الضفة،
مما يقضي على أي أفق لحل الدولتين الذي تطالب به الدول الغربية منذ عقود (الغارديان).
الخلفية التاريخية لمشروع E1
منطقة E1 ليست وليدة اللحظة، بل تعود فكرتها إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، حين وضعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خططًا لربط القدس الشرقية بمستوطنة معاليه أدوميم، من خلال إنشاء حي استيطاني ضخم يفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.
منذ ذلك الحين، ظل المشروع محور خلاف سياسي ودبلوماسي كبير، إذ حذّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مرارًا من أن تنفيذه يعني “إعدام حل الدولتين على الأرض” (رويترز).
التاريخ السياسي للمشروع يشير إلى أنه جُمّد لسنوات طويلة تحت ضغوط دولية، أبرزها ضغط واشنطن في عهد الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، إضافة إلى تحذيرات أممية بأن المشروع ينتهك اتفاقيات أوسلو ويخالف القانون الدولي الإنساني.
وقد ظل التجميد قائمًا حتى جاءت حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة، مدعومة بوزراء من التيار الديني القومي وعلى رأسهم سموتريتش، لتعيد إحياء الخطة باعتبارها “ركيزة في تثبيت السيادة الإسرائيلية” (الجزيرة نت).
أهمية E1 لا تكمن فقط في حجمها الاستيطاني، بل في موقعها الجغرافي الحساس. فهي تمثل الشريان الحيوي الذي يربط الكتل الاستيطانية الكبرى بالقدس،
وفي المقابل، تقطع التواصل الجغرافي بين مدينتي رام الله وبيت لحم، ما يعني عزل القدس الشرقية عن أي امتداد فلسطيني مستقبلي.
هذا ما جعلها “خطًا أحمر” بالنسبة للمجتمع الدولي، وسببًا في توتر العلاقات الإسرائيلية الأوروبية في أكثر من مناسبة (الغارديان).
حتى داخل إسرائيل، كانت هناك فترات شهدت معارضة أمنية للمشروع، إذ حذرت أجهزة أمنية في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة من أن البناء في E1 قد يؤدي إلى تصعيد فلسطيني واسع،
ويجعل أي مفاوضات سلام مستحيلة، لكن هذه التحذيرات تراجعت مع صعود اليمين الديني القومي في العقد الأخير (تايم).
ردود الفعل الفلسطينية والعربية
ردود الفعل كانت حادة وسريعة؛ السلطة الفلسطينية وصفت المشروع بأنه “جريمة استيطانية” تستدعي تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي،
بينما اعتبرت مصر وقطر والأردن أن الخطوة تمثل “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي” ومحاولة واضحة لتصفية القضية الفلسطينية.
قطر وصفت المشروع بأنه “انتهاك سافر للشرعية الدولية” (الشرق الأوسط).
مصر أكدت أن المشروع يمثل “محاولة لفرض أمر واقع يقضي على فرص السلام” (العربي الجديد).
الأردن وصف الخطوة بأنها “اعتداء على حق الشعب الفلسطيني في دولته” ودعا لوقف المشروع فورًا (العربي الجديد).
المواقف الدولية والإسرائيلية
الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أصدرا بيانات إدانة شديدة، مؤكدين أن المشروع يقوض أي فرصة لحل سياسي عادل، فيما وصفت منظمات إسرائيلية مثل “Peace Now” و”كسر الصمت” الخطة بأنها “تعمّق نظام الفصل العنصري” وتدفع نحو مزيد من العنف (الجزيرة نت).
إعادة تفعيل مشروع E1 اليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الجدل والتجميد، تمثل نقطة تحول كبيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ يتجاوز كونه مشروعًا للبناء ليصبح أداة سياسية لإعادة رسم الخريطة الجغرافية والديموغرافية للضفة الغربية، على نحو يجعل الدولة الفلسطينية – كما يطالب بها الغرب – شبه مستحيلة.