في ظل التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، ومع تلويح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإمكانية “إزالة رأس النظام الإيراني”، يعود إلى الواجهة سيناريو طالما نوقش خلف الأبواب المغلقة: ماذا لو اغتالت إسرائيل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي؟
هذا التقرير يحاول تحليل السيناريوهات المتوقعة بعد تنفيذ مثل هذه الضربة، سواء على الصعيد الإيراني الداخلي أو الإقليمي والدولي، بناءً على معطيات تحليلية، وتجارب تاريخية، ورؤى لمحللين سياسيين عرب وغربيين.
أولاً: السيناريو العسكري .. رد شامل واستنفار إقليمي
وصف السيناريو:
إذا نُفذ اغتيال خامنئي، فإن الرد الإيراني العسكري شبه مؤكد، ولكن مداه وشكله سيعتمدان على قدرة طهران على امتصاص الضربة وإدارتها سياسيًا وشعبيًا.
متوقّعات الرد:
صواريخ بالستية تطال مدن إسرائيلية رئيسية.
استهداف قواعد أمريكية في العراق وسوريا.
فتح جبهات عبر الوكلاء: حزب الله في الشمال، الحوثيون في البحر الأحمر، وميليشيات عراقية في العمق العربي.
تهديد الممرات البحرية: مضيق هرمز وباب المندب.
وفق تحليل نشرته “فايننشال تايمز”، فإن إيران تعتبر اغتيال أي “رمز أعلى” للنظام مسوّغًا للحرب الشاملة، ولا يمكن الرد عليه بأدوات تقليدية.
“وول ستريت جورنال” أشارت في تقارير سابقة إلى أن إسرائيل تدرك تمامًا أن استهداف خامنئي لا يشبه اغتيال سليماني، لأن موقعه رمزي – سياسي – ديني لا يعوض بسهولة.
ثانيًا: السيناريو الداخلي – فراغ السلطة أم سيطرة الحرس الثوري؟
1. فراغ دستوري محتمل:
يُعتبر خامنئي رأس الدولة سياسيًا ودينيًا. بموته المفاجئ، سيُحال الملف إلى مجلس الخبراء الذي قد يُشكك الشارع في شرعيته بعد سنوات من القمع.
المحلل الإيراني-الأمريكي ماجد رفيزاده يقول في Arab News: “الفراغ الناتج عن مقتل المرشد قد يُحدث انقسامًا حادًا داخل النظام، بين تيار الحرس الثوري والمؤسسة الدينية المحافظة”.
2. الحرس الثوري كقوة موازية:
الحرس يملك السلاح، الاقتصاد، الإعلام، ويسيطر فعليًا على معظم مفاصل الدولة. ويُرجّح أن يتحرك بسرعة:
لإعلان حالة طوارئ.
للسيطرة على الإعلام والشارع.
لتعيين “خليفة مطيع”.
وفق تحليل لمركز “كارنيغي”، فإن أي اضطراب كبير في طهران سيفضي لتوسيع نفوذ الحرس، لا لولادة نظام جديد.
ثالثًا: السيناريو الشعبي – انتفاضة واسعة أم خضوع وخوف؟
عوامل انفجار شعبي:
شعبية خامنئي ضعيفة خصوصًا بعد قمع احتجاجات 2022.
الطبقات المتوسطة والشباب في المدن الكبرى تطالب بإنهاء “دولة رجال الدين”.
لكن هذه العناصر قد لا تكفي، فالدولة الأمنية أثبتت قدرتها على السيطرة.
المجلة الفرنسية “لوبوان” أشارت إلى أن سقوط خامنئي “لن يساوي سقوط النظام، لأن الدولة مؤمنة بمفهوم المؤسسة لا الفرد”.
رابعًا: سيناريوهات إقليمية ودولية – حرب باردة جديدة أم تسوية تاريخية؟
1. عودة للاتفاق النووي؟ (ضعيفة)
قد يحاول بعض البراغماتيين في النظام الجديد إعادة التفاوض مع الغرب لكسب وقت أو تخفيف الضغوط، ولكن:
أي محادثات ستكون مشروطة بوقف الحرب.
غياب شخصية بحجم خامنئي يملك شرعية “المرشد” قد يؤخّر أي اتفاق.
2. تحالفات متغيرة:
روسيا والصين قد تحاولان ملء الفراغ الإيراني لصالح نفوذهما في الشرق الأوسط.
دول الخليج ستكون في حالة استنفار عالٍ، وتفكر في استراتيجيات وقائية.
أمريكا ستكون مضطرة إما للتصعيد المباشر أو الانكفاء لحماية قواعدها ومصالحها.
“بوليتيكو” ترى أن اختفاء خامنئي قد يُفتح باب التفاوض… ولكنه “باب ضيق ومؤقت وقد يُغلق سريعًا في حال صعد متشددون جدد إلى القمة”.
خامسًا: الاحتمالات المرجّحة بناءً على المؤشرات الحالية
السيناريو | الاحتمال | ملاحظات |
---|---|---|
رد عسكري واسع | مرتفع جدًا | جزء من العقيدة الثورية الإيرانية |
سيطرة الحرس الثوري على السلطة | مرتفع | القوة الحقيقية بيده |
ثورة شعبية ناجحة | ضعيف إلى متوسط | القمع والتفكك السياسي يمنعان نجاحها |
انهيار النظام | ضعيف | تماسك المؤسسات وتأييد أجنحة في السلطة |
تسوية دولية شاملة | ضعيف | تصاعد الحرب لا يسمح بذلك حاليًا |
اغتيال خامنئي ليس نهاية النظام… بل بداية “نظام جديد أكثر تشددًا”
استهداف خامنئي سيُحدث زلزالًا سياسيًا وعسكريًا، لكنه لن يُسقط الدولة.
النظام الإيراني بُني على فكرة “المؤسسة قبل الشخص”، وبالتالي لديه آلية لملء الفراغ، حتى وإن تطلب الأمر مرحلة اضطراب داخلي.
في المقابل، ستكون المنطقة أمام خطر توسّع الصراع وتعدد الجبهات، في سيناريو أقرب إلى حرب إقليمية منضبطة لا مفتوحة.
كما قال هنري كيسنجر ذات مرة: “الحرب في الشرق الأوسط لا تنتهي بانتصار… بل بإجهاد الطرفين.”
وقد يكون هذا التعب هو ما ينتظر إيران وإسرائيل بعد اغتيال خامنئي.