
بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب، في العاشر من مايو/أيار 2025، أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار شامل وفوري،تظل علامات الاستفهام مطروحة: هل كانت هذه المواجهة اسعراض قوة مؤقتا أم بداية لانفجار أكبر مؤجل؟ وهل يمثل وقف إطلاق النار بداية لحوار جاد أم مجرد هدنة هشة سرعان ما تنهار؟.
انطفأت شرارة احتمال مواجهة نووية بين الهند وباكستان بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية،علي وقف العمليات العسكرية برا وبحرا وجوا.وتثبيت التهدئة على خط السيطرة في كشمير، النقطة الأكثر توترا بين البلدين.
الوضع لا يزال يعد هشا، فالقوات على الجانبين في حالة تأهب قصوى.. ففي الهند، حاول رئيس الوزراء ناريندرا مودي استثمار الأزمة لتعزيز صورته كزعيم في محاربة “الإرهاب”، لكنه يواجه انتقادات المعارضة التي ترى أنه يجر البلاد إلى مغامرات غير محسوبة.
وفي باكستان، استخدمت القيادة الرد العسكري لتعزيز الوحدة الوطنية ورفع المعنويات.
ودوليا.. برزت الولايات المتحدة كوسيط فاعل في تهدئة التصعيد، مما منحها نفوذا إضافيا في جنوب آسيا.
وأما الصين، الحليف التقليدي لإسلام آباد، فقد واصلت دعمها السياسي لباكستان، إلى جانب السعودية وقطر، ضمن مساعٍ إقليمية للحفاظ على الاستقرار.
في حين تُصرّ الهند على رفض أي وساطة خارجية في ملف كشمير، وهو ما يشكل عائقا أمام أي تقدم دبلوماسي حقيقي.
يوم النصر
رغم إعلان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف،يتلو خطاب النصر: “انتصرنا على الهند بلا إله إلا الله”، عقب وقف إطلاق النار.واعتبار الإعلام الباكستاني قبول الهند للهدنة انتصارا للجيش الباكستاني، يرى العديد من المراقبين أن هناك غموضا في تحديد “المنتصر” في هذه المواجهات.
وأظهرت الهند تفوقا نسبيا من خلال ضربات جوية باستخدام طائرات “رافال” و”سوخوي-30″ استهدفت 9 مواقع باكستانية، لكن الرد الباكستاني جاء سريعا وقويا، حيث تم استهداف مواقع هندية بدقة، مع ادعاء بإسقاط 5 مقاتلات هندية، من بينها 3 طائرات “رافال”، وهو ما كشف عن ثغرات في دفاعات الهند.
الا أن وسائل اعلام باكستانية ذكرت أن “حكومة مودي اضطرت للإعلان عن وقف إطلاق النار بعد أن تكبدت خسائر كبيرة على يد القوات الباكستانية في 5 أيام فقط من المواجهات”.
وتؤكد الكاتبة والمحللة السياسية الباكستانية بشرى صدف إلى أهمية المحافظة على المكتسبات المعنوية قائلة: “بالتأكيد نجح الجيش والحكومة الباكستانية في استعادة ثقة الشعب، لكن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على هذه الروح المعنوية واستثمارها في مسار إصلاحي طويل الأمد”.
في المقابل تؤكد الهند أن خسائرها جزء من المعركة،وتحرص حكومة مودي على استثمار الأزمة لتعزيز سردية “مواجهة الإرهاب” واستقطاب التأييد في الداخل، خاصة في ظل اقتراب استحقاقات انتخابية محتملة، إلا أن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالهند قد تُعيد فتح النقاش داخل الهند حول كلفة التصعيد وجدواه السياسية والأمنية.
الهدوء الحالي ليس نهاية للصراع بل مجرد استراحة في نزاع يمتد لعقود منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947.
تظل قضية كشمير هي جوهر التوترات، حيث تسيطر الهند على ثلثي الإقليم وباكستان على الثلث المتبقي تقريبا، بينما يدّعي كل طرف السيادة الكاملة عليه.
ويقول الكاتب والإعلامي الباكستاني حامد مير : “أنا أؤيد بدء مفاوضات هادفة في أعقاب وقف إطلاق النار، لكن لا مكان لمثل هذه المفاوضات في سياسة ناريندرا مودي تجاه باكستان”.
وأضاف مير: أن تصريحات مودي في 24 مارس/آذار 2012، عندما عبّر علنا في أحمد آباد عن دعمه لفكرة “أكهنْد بهارات” -الهند الموحدة- بل عبّر عن رغبته في ضم إقليم السند الباكستاني.
ويقول مير إن “وقف إطلاق النار الأخير هو إنجاز مهم، إلا أن رئيس الوزراء الهندي مودي قد يسعى إلى التنصل منه بهدف إنقاذ مستقبله السياسي”، في إشارة إلى التوظيف السياسي المحتمل للتوترات الإقليمية في الداخل الهندي.
ويرى أليكس بليتساس، الرئيس السابق لقسم الأنشطة الحساسة في وزارة الدفاع الأميركية، أن “الهدنة الحالية ليست حلا بل مجرّد مهلة مؤقتة تُجنّب كارثة وشيكة وتحافظ على قدر من الاستقرار الاقتصادي، لكنها لن تمنع التصعيد ما لم يكن هناك ضغط دولي دائم والتزام حقيقي بمعالجة الجذور العميقة للنزاع، وعلى رأسها قضية كشمير”.
مسارات محتملة حسب موازين القوى والضغوط الدولية
ويرى المراقبون أن المنطقة قد تشهد 3 مسارات محتملة قادمة حسب موازين القوى والضغوط الدولية:
أولا، إذا نجحت المحادثات في ترميم الثقة، فإن المنطقة قد تشهد تهدئة نسبية، لكن ذلك يتطلب تنازلات سياسية صعبة، خاصة من الهند بشأن كشمير.
ثانيا، من المرجح أن تستمر التوترات المحدودة على خط السيطرة مع خروقات متفرقة لوقف إطلاق النار، دون تصعيد شامل بفضل الردع النووي.
ثالثا، يبقى احتمال التصعيد قائما في حال وقوع هجوم كبير أو خرق واسع لوقف إطلاق النار في كشمير، رغم ضغوط المجتمع الدولي والتكلفة الباهظة لأي حرب شاملة.