تشهد السواحل التونسية أزمة بيئية متفاقمة، حيث تتعرض نسبة كبيرة من شواطئ البلاد لظاهرة الانجراف البحري، ما يهدد التوازن البيئي والاقتصادي والسياحي، ويضع الحكومة أمام تحدٍّ يتطلب حلولًا عاجلة ومستدامة.
في أرخبيل قرقنة، يقول محمد العيادي السويسي، وهو صياد وصاحب مطعم ساحلي، إن البحر ابتلع جزءاً من مطعمه، ويضيف بأسى: “خلال خمس سنوات أخرى، لن يبقى شاطئ”. هذا الواقع يعكس تهديداً مباشراً لمصدر رزق آلاف العائلات، وسط تزايد منسوب البحر بفعل التغيرات المناخية والتوسع العمراني غير المنظم.
ووفق تقرير للبنك الدولي صدر عام 2021، فإن أكثر من 35% من شواطئ تونس تتعرض للتآكل، وتخسر مناطق مثل الحمامات ما يصل إلى 8 أمتار من الشاطئ سنوياً. أما تقرير عام 2023، فقد صنّف تونس ضمن أكثر الدول تضرراً عالمياً من الانجراف البحري، حيث يُقدّر طول الشواطئ المتآكلة بـ260 كيلومتراً من أصل 670 كيلومتراً، مع خسائر متوقعة تتجاوز 1.3 مليار دولار بحلول 2030، وتصل إلى أكثر من 2.3 مليار دولار بين 2030 و2050.
وتُعدّ قرقنة أحد أكثر المناطق هشاشة، حيث كشف الجغرافي سمير القبايلي عن تآكل مستمر شهدته المنطقة خلال الثلاثين عاماً الماضية. ويضيف: “حتى المواقع التاريخية لم تسلم، إذ غمر البحر أجزاء من المدينة الأثرية سرسينة التي تعود للعهد القرطاجي”.
من جانبه، أوضح رياض بوعزيز، أستاذ الجغرافيا، أن معدل التعرية الساحلية يتراوح بين 0.5 و0.8 متر سنوياً، في حين ترتفع نسبة تملّح التربة بمعدل هكتارين سنوياً، ما يهدد الإنتاج الزراعي ويؤدي إلى فقدان نحو 16 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية وفق بيانات وزارة البيئة.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن 30% من الشواطئ التونسية مهددة بشكل مباشر، ما قد يُلحق ضرراً كبيراً بقطاع السياحة، مع توقعات بخسارة ما يصل إلى 55% من طاقته، نتيجة فقدان الشواطئ المحاذية للفنادق وتآكل البنية التحتية للموانئ.
ورغم هذه التهديدات، أُنجزت بعض مشاريع الحماية بين 2013 و2024، شملت ترميم 35 كيلومتراً من السواحل في مناطق مثل قرقنة وسوسة وجرجيس. كما يجري تنفيذ برنامج تونسي – ألماني لحماية 11 كيلومتراً إضافياً من سواحل قرقنة.
وتؤكد الدراسات البيئية أن مستوى البحر قد يرتفع بين 30 إلى 50 سنتيمتراً بحلول عام 2050، ما يجعل المعالجة الفورية والوقاية طويلة المدى ضرورة قصوى، لحماية كنز تونس الساحلي من الزوا
تونس أمام أزمة ساحلية حقيقية، حيث يهدد البحر بابتلاع تراثها، وسياحتها، واقتصادها، إن لم تُتخذ قرارات جذرية تُعيد التوازن للبيئة الساحلية وتحافظ على ما تبقى من “الشواطئ الذهبية”.