صدام بين مصر وإسرائيل.. ما دور العرجاني فيه؟
بقلم: أحمد سعد حمد الله
على غير المتوقع، وبشكل متسارع جدا، تصاعدت الأزمة المصرية الإسرائيلية، المتعلقة بالخلاف على الحدود الفاصلة بين مصر وقطاع غزة، تلك الأزمة التي فجرتها التصريحات المستفزة، التي أطلقها مؤخرا بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي أكد فيها رفض إسرائيل القاطع بالخروج من المحور الحدودي صلاح الدين، المعروف باسم محور ” فيلادلفيا ” ذلك المحور الذي يمثل شريطا حدوديا يمتد بين مصر وغزة، بطول 14 كيلو مترا وعمق مائة متر، وهو الشريط الذي سيطرت عليه إسرائيل مؤخرا،
وقالت إنها ستبقى فيه بشكل مؤقت، لحين التوصل إلى هدنة مع حركة حماس، إلا أن تصريحات نتنياهو الأخيرة، جاءت لتكشف أن البقاء لن يكون مؤقتا، وأن البقاء الإسرائيلي في المحور مستمر لأجل غير مسمى،
حيث قال نتنياهو: إن الذين كانوا يعتقدون أن إسرائيل ستنسحب من محور فيلادلفيا بعد 42 يوما، يعلمون أننا سنبقى 42 عاما،
وهو تصريح استفز الجيش المصري كثيرا، كما أنه أغضب القيادة السياسية، التي وجهت تعليماتها إلى وزارة الخارجية بإصدار بيان جاء شديد اللهجة،
حمّلت مصر فيه نتنياهو عواقب التصعيد بالإقليم، مؤكدة على أن مثل هذه التصريحات تزيد من تأزم الموقف، ولن تؤدي إلا إلى المزيد من التصعيد بالمنطقة..
دخول أمريكا على الخط
ولعل الذي زاد من سخونة الموقف وتصعيد الأزمة أكثر، هو دخول أمريكا على الخط ووقوفها في صف إسرائيل، حيث أعلن البيت الأبيض مساء الخامس من سبتمبر الجاري، أن إسرائيل غير ملزمة بسحب قواتها من مناطق محور فيلادليفا،
وهو تصريح أشعل الغضب في مصر، الأمر الذي دعاها إلى نشر عدد من الرسائل على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري المصري،
وتضمنت مجموعة من اللقطات المتلفزة والصور الفوتوغرافية ، يظهر فيها الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري،
وهو يتفقد القوات العسكرية المتواجدة أمام معبر رفح، وهي رسائل حملت الكثير المعاني، التي تشير إلى استعداد مصر للرد العسكري إذا ما تطلب الأمر..
صدام عسكري بين مصر وإسرائيل؟!
وإذا كانت كل هذه التطورات، توحي باحتمالية وقوع صدام عسكري بين مصر وإسرائيل، يعتقد البعض أنه قد يتحول إلى حرب، إلا أن واقع الحال، والمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة، فضلا عن وجود العديد من القوى الدولية والإقليمية التي يهمها استمرار الوئام بينهما، يجعل من خيار الدخول في حرب فكرة شبه مستحيلة لدى الطرفين وليس عند طرف دون الأخر،
حيث مصر يحكمها الآن الجنرال عبد الفتاح السيسي، وهو المعروف بعاطفته الجياشة تجاه الإسرائيليين، وقد عبّر عن ذلك صراحة منذ اللحظة الأولى لوصوله كرسي الحكم، عندما قال إنه لن يسمح أن تتعرض إسرائيل لأي أذى يأتي من ناحية مصر،
أما إسرائيل فهي موروطة الآن في معركة عنيفة مع حماس قاربت مدتها على السنة الكاملة، دون أن تحقق فيها أي نجاح سياسي أو عسكري، اللهم إلا هدم المباني وقتل المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال،
ولذلك لن تكون هناك مشكلة بين مصر وإسرائيل في حال رغبا في إنهاء الخلاف بصورة ودية، إنما العقدة والمعضلة الحقيقية ستكون في وجود طرف ثالث، يٌعتقد أنه اللاعب الرئيسي في هذا الصراع، ألا وهو إبراهيم العرجاني رئيس اتحاد القبائل العربية، ذلك الرجل الذي جاءت به الأقدار في ظروف غامضة ليكون رقما صحيحا في كافة الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية التي تجري في سيناء وعلى حدودها،
وذلك بعد أن سمحت له الدولة المصرية بإنشاء ميليشيا عسكرية داخل سيناء، يُقال إن مهمتها الأساسية هي مساعدة الجيش المصري والأجهزة الشرطية في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية المختبئة هناك، ولأن هذه الميليشيا أصبحت تمارس مهامها العسكرية باعتراف رسمي من الدولة، فلم يكن غريبا أن يصبح نفوذ العرجاني ورجاله في سيناء عامة وعلى الشريط الحدودي بين مصر وغزة -منطقة الخلاف- خاصة، مثل نفوذ الجيش المصري، إن لم يكن أقوى، باعتبار أن العرجاني ورجاله هم الأكثر معرفة بطبوغرافيا سيناء،
العرجاني.. و«طوفان الأقصى»
وقد تردد اسم العرجاني كثيرا بعد اندلاع معركة «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر للعام الماضي، حيث كان هو المتحكم في خروج المصابين وأصحاب الحالات الإنسانية، والفارين من أهوال الحرب في غزة عبر معبر رفح، وقيل إنه يتقاضى على الحالة الواحدة ما بين خمسة ألاف إلى عشرة ألاف دولار، وهي مهمة حقق من ورائها أموالا طائلة، وسواء كانت إيرادات هذا البيزنس تذهب لحساب مسؤولين كبار بالدولة المصرية كما يشاع، أو لحساب العرجاني نفسه،
فالمؤكد هنا هو أن هذه الأموال أطمعت المستفيدين منها، في تحقيق المزيد من الأموال، ومن ثم كان لابد من التفكير في كيفية تنمية هذا البيزنس المؤقت، المرهون بالحرب، حيث راح العرجاني يتوسع في المشروعات، وأصبح هو الصاحب الحصري لكل ما يمكن أن يحتاجه شعب غزة المحاصر، بداية من زجاجة المياه والمواد الغذائية والطبية، مرورا بالملابس والأثاث المنزلي، نهاية بمواد الوقود والطاقة،
ورغم الأموال الهائلة التي جناها من هذا البيزنس غير الخاضع لأية قوانين أو قواعد، إلا أنه ومن منطلق البحر يحب الزيادة، كان ولابد أن تدفعه الطبيعة البشرية القائمة على قاعدة «هل من مزيد» للطمع في تحقيق الأكثر من الأموال،
لكن يبدو أن حالة الطمع هذه أوصلته إلى المخاطرة والدخول في منطقة اللعب بالنار، بعد أن راح يعمل في تجارة السلاح، التي يٌقال إنها تذهب لقوات المقاومة، وهي معلومة إن صدقت فتستوجب أن نشكر عليها العرجاني، إلا أنه ولقلة خبراته في المجال، فشل في إدارة المشروع بالاحترافية المطلوبة، حيث تم رصده من قبل بعض أجهزة المخابرات الإسرائيلية، أو ربما تعرض للوشاية من أحد عملاء إسرائيل،
وقد ألمح نتنياهو بنفسه إلى مسألة السلاح هذه، في تصريحاته الأخيرة التي استفزت مصر، حيث قال «إن إسرائيل حرصت على أن لا يدخل دبوس إلى غزة من جانبها، لكنهم سلحوا أنفسهم عبر محور فيلادلفيا ومصر» وهو ما يعني أن عمليات بيع العرجاني للسلاح تم رصدها من قبل الأجهزة الإسرائيلية،
ومن ثم قررت إسرائيل الاستحواذ على المحور بالكامل لإيقاف هذا الخطر، الأمر الذي أشعل الأزمة بين مصر وإسرائيل، شكرا للعرجاني فقد أعاد لنا العداء مع الصهاينة.