أعلنت قوات الدعم السريع وحلفاؤها السياسيون، السبت الماضي، عن تشكيل “حكومة السلام والوحدة” برئاسة محمد حسن التعايشي، إلى جانب “مجلس رئاسي” من 15 عضوًا يتزعمه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في خطوة تُعدّ تحولًا خطيرًا في مسار الأزمة السودانية المتفاقمة. وقد جاء الإعلان من مدينة نيالا، معقل قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، في ظل ما يشبه الانقسام العملي للدولة السودانية.
وفي المقابل، يقف مجلس السيادة الانتقالي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي سبق أن كلّف الخبير القانوني كامل إدريس بتشكيل ما أسماها “حكومة الأمل”، والتي بدأت خطواتها الفعلية بتعيين خمسة وزراء، وسط اتهامات من معارضيها بأنها واجهة جديدة لحزب المؤتمر الوطني المنحل.
اللافت أن حكومة التعايشي لم تُخفِ مرجعيتها، حيث أعلنت صراحة أنها تمثل تحالف “تأسيس”، الذي تشكّل في نيروبي ويضم أجنحة منشقة من حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، إلى جانب حركات مسلحة وشخصيات مستقلة، وهو ما يعكس تصعيدًا سياسيًا وعسكريًا واضحًا، نحو تثبيت سلطة موازية في غرب السودان وجنوبه.
تبدو البلاد اليوم على حافة انقسام فعلي، لا يقل خطورة عن انفصال جنوب السودان عام 2011. لكن هذه المرة، لا يتم الحديث عن استفتاء أو تفاوض، بل عن واقع يفرضه السلاح والخرائط الميدانية. فبينما تسيطر حكومة البرهان على أجزاء من الخرطوم وشمال البلاد، توسع حكومة “السلام” نفوذها في دارفور وبعض المناطق الحدودية، بل وعينت حاكمًا لإقليم دارفور، في مواجهة الحاكم الموالي للجيش.
ويرى مراقبون أن إعلان حميدتي عن حكومة ومجلس رئاسي وبرلمان قيد التشكيل، قد يكون مناورة سياسية لرفع سقف التفاوض، لكن استمراره قد يعني أن السودان في طريقه لتكريس “دولتين” على أرض واحدة، وهو ما يهدد بفتح أبواب صراع طويل الأمد لا تُعرف مآلاته.
ومع غياب أي بوادر لحوار شامل أو تسوية سياسية جامعة، يتخوف السودانيون من أن تتحول البلاد إلى ساحة صراع مفتوح بين مشروعين متناحرين، أحدهما يحكم من العاصمة الخرطوم، والثاني من عمق دارفور. وبين نار الانفصال وغياب الدولة، يبقى الشعب السوداني الخاسر الأكبر في معركة الشرعيات المسلحة.