تشهد إيران حالة من الجدل السياسي حول مستقبل إدارة المفاوضات النووية في ظل التوازنات المعقدة بين وزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي، حيث عاد الحديث بقوة عن احتمال نقل الملف من الخارجية إلى المجلس بعد عودة علي لاريجاني إلى منصب أمين عام المجلس، وهو ما نفاه وزير الخارجية عباس عراقجي مؤكدًا أن الأمر غير مطروح على جدول الأعمال حاليًا. ورغم ذلك، فإن التطورات التشريعية والسياسية الأخيرة توحي بوجود توجه لتعزيز الدور الأمني في إدارة هذا الملف الحساس، خاصة بعد إقرار البرلمان قانونًا يعلق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويُلزم المجلس الأعلى بالموافقة على أي عمليات تفتيش مستقبلية، وهو ما يمنح المجلس سلطة أوسع في التحكم بمسار المفاوضات. تاريخيًا، لم يكن الجدل حول إدارة الملف النووي جديدًا في إيران، فقد ظل القرار النهائي دائمًا بيد المرشد علي خامنئي بينما تتغير التكتيكات مع تغير الحكومات، ففي عام 2013 خلال رئاسة حسن روحاني، انتقلت إدارة المفاوضات إلى وزارة الخارجية بهدف منحها دورًا أكبر في التواصل مع الأطراف الدولية، لكن المجلس الأعلى للأمن القومي ظل المطبخ الأساسي للقرارات الكبرى. عودة لاريجاني إلى منصبه الحالي تعيد إلى الأذهان تجربته السابقة ككبير المفاوضين النوويين بين عامي 2004 و2006 قبل أن يستقيل بسبب خلافات مع الرئيس محمود أحمدي نجاد، كما تذكّر بدوره في تمرير اتفاق 2015 حين كان رئيسًا للبرلمان، وهو ما يمنحه خبرة وقدرة على المناورة بين الضغوط الداخلية والخارجية، لكن في الوقت ذاته يثير مخاوف بعض أنصار التفاوض من احتمال عودته إلى خطاب أكثر تشددًا تماشيًا مع سياسات المرشد. تصريحات وزير الخارجية الأسبق علي أكبر صالحي مطلع الشهر الحالي حول وجود لجنة موازية تدير المفاوضات من خلف الكواليس تكشف أن مسار التفاوض لا يقتصر على الهياكل المعلنة، بل يشمل قنوات غير رسمية ذات نفوذ كبير، فيما يؤكد المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي أن الوزارة تعمل وفق تسلسل هرمي واضح وتبلغ وجهات نظرها للجهات صاحبة القرار، مع الإقرار الضمني بأن المجلس الأعلى يحتفظ بسلطة الحسم. المراقبون يرون أن الخلاف القائم ليس مجرد نزاع حول الإجراءات الفنية بقدر ما هو انعكاس لصراع نفوذ داخل النظام الإيراني، حيث تمتلك الخارجية أدوات التواصل والخبرة الدبلوماسية بينما يحتفظ المجلس الأعلى ولجانه الموازية بالقوة الفعلية لاتخاذ القرارات، وكل ذلك تحت إشراف مباشر من المرشد. السيناريوهات المستقبلية تتراوح بين استمرار الوضع الحالي بحيث تتولى الخارجية إدارة المفاوضات مع تدخل المجلس في اللحظات الحاسمة، أو انتقال رسمي للملف إلى المجلس مع بقاء دور خارجي محدود للوزارة، أو اعتماد صيغة إدارة مشتركة يتم فيها تقاسم الأدوار بين المؤسستين. نجاح إيران في المفاوضات المقبلة سيعتمد على قدرتها على تحقيق توازن بين الانضباط الداخلي الذي تفرضه القيادة العليا والمرونة المطلوبة للتعامل مع الضغوط الدولية، وفي ظل تداخل الأبعاد السياسية والأمنية، يبدو أن الملف النووي سيظل ساحة لإعادة تشكيل موازين القوى داخل النظام الإيراني أكثر منه مجرد قضية تفاوضية مع الغرب.