الأمة الثقافية

“صفحة من مذكّرات طفل عراقي”.. قصة: د. ياسر عبد التواب

لا أعرف ما الذي يحزن أمي؟

 فمنذ أول أمس حدثت أحداث كثيرة انزوت بعدها بجوار منزلنا تنظر إلي السماء وتبكي..

 لا أعرف ما الذي يبكيها؟

 لقد استمتعتُ كثيرا بأضواء مبهرة كانت تومض في السماء ثم تنزل إلي الأرض متفرقة..

 كتلك الحجارة التي أستمتع بإلقائها في البحر فتغوص إلي قاعة محدثة صوتا وتناثرا عندما تشق الماء.. ثم تتبع ذلك بدوائر قبل استقرارها فنظل – أنا ورفاقي نعدها حتى تختفي

لكنه -هذا الوميض- يبعث الحزن في نفس أمي ..ولا أدري لماذا؟

 أتراها تحب الظلام ؟

 فأنا لا أحبه ..

 أم تراها تفزع من الصوت الذي يتبع ذلك الوميض؟

 فأنا أستمتع به فهو يذكّرني باللِّعب التي كان يحضرها أبي لي أنا و (محمود) قبل أن يظهر (الانتفاخ) الذي في رقبته

وبعدها كنتُ أذهب مع أمي ومعه إلي حجرة كبيرة مظلمة يدخل إليها ويمنعوني من الدخول معه فلا أري من بعيد إلا ظلمة ..ماذا كانوا يفعلون به هناك

لقد كان يخرج منها كالا لا يستطيع أن يلعب معي.. لذا فأنا لا أحب الظلام

وأنظر بعد ذلك إليه وقد تساقط شعره وتضخّمت رقبته فأستغرب شكله وأضحك منه..ثم أبكي لحزنه

 وأجد أمي حزينة فلا أعرف ما الذي يحزن أمي..‍‍‍‍‍

وحتى بعد أن ذهب إلي بلدة بعيدة يشتري له منها شعرا ولم يعد..

 لم أشعر بافتقاده.. فقبل سفره كان حبيس فراشه لا يستجيب لمداعبتي..

 وكنت أظل أناديه كلما أردتُ أن ألعب ..فلا يجيبني

فيثير ذلك حزن أمي فلا أعرف ما الذي يحزنها‍؟

وعندما كنا نأكل كان الخبز الذي تعدّه أمي قليلا..

 فأطالبها.. فترد عليّ بنظرتها الحزينة فلا أكمل طعامي، وأقوم بجوعتي لألعب وأنظر إليها من بعيد فأجدها تجلس حزينة فلا أعرف ما الذي يحزنها ؟

بالأمس نهرتني وأنا على سطح المنزل لآخذ الدواء الذي تحرص على أن تناوله لي منذ أن تورّمت بطني

ولم أكن أريد أن أنزل فأنا أتابع الضوء المتناثر في السماء.. وأقول لنفسي إن هناك أطفالا في السماء يلعبون احتفالا بالعيد ..

وأصيح بهم .. هيا انزلوا لتلعبوا معي هنا في البصرة

فلا يردون عليّ ..

 أكرر ندائي .. أنا هنا بالبصرة لقد انتهي العيد عندنا ..

 تعالوا وهاتوا عيدكم معكم لنلعب معا..

وتنظر إليّ أمي نظرتها الحزينة ولا أعرف ما الذي يحزنها؟

 بعد ذلك أرسل إلينا الأطفال من السماء حجرا كبيرا

غارت منه حجارة المنزل وأرادت أن تصعد إلي السماء فطارت

 لكنها لم تستطع أن تصل إلي السماء.. فنزلت مرة أخري إلينا

 فتناثرت على الأثاث وغطته ..

وكنا ساعتئذ تحت السرير

 وصاح أبي.. خذلونا .. خذلونا..

 وجرى بخفة تاركا أمي خلفه تناديه..

 وجدتها بعد ذلك حزينة ولا أعرف ما الذي يحزنها؟

ومن وقتها فرَشت ملاءات السرير

بجوار كوم الحجارة الذي أصبح منزلنا

وجلسَت تنظر إلي السماء وتبكي ..

أما أنا فقد لعبتُ كثيرا على ذلك الجبل الجديد قبل أن تثقل بي بطني وجعا

 وأنظر إليها وهي تزداد تضخما وتمنعني من اللعب..وأزداد ألما

 لأستقر في النهاية بجوار أمي التي قالت لي إن أبي ذهب عند محمود أخي، وإننا عما قريب سنذهب لنزورهما في البلد البعيد الذي فوق السماء

والذي هو فوق الأطفال الذين رمونا بالحجر ..

وابتسمتُ عندما قالت لي وأنني يومها سأرمي عليهم بالحجر من فوق، وأن بيتهم أيضا سيصير جبلا مثل بيتنا وسألعب عنده..

كانت تبكي وكانت حزينة..

 لكنني أنتظر ذلك اليوم.. فقد قالت لي إنها وقتها لن تكون حزينة..

                                                                                                               

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى