في السادس عشر من مايو 2016، كتبت تحت هذا العنوان «تقسيم الدول العربية» السطور التالية:
لم يترك الاستعمار منظومته بغير لوازم صيانتها في كل مجال وعلاج لأي خطر محتمل بحسب العقيدة هي الخطر.
عاش مفكرو العرب وصانعو الوعي والسياسيون ونظم الحكم أسرى خطط ومخططات برنارد لويس وخرائطه المزعومة.
وإلى اليوم وكأن الغرب بهذا الغباء يسرب مخططاتهم ليصنعوا لها مقاومة،
ولكنها أصبحت سلاح تشهره الحكومات والسلطات أمام أي محاولة للنهوض والتغيير وبلوغ أي مرحلة من مراحل رشادة الحكم وتوسيع قاعدة العدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للثروة بين مكونات الشعوب..
وصدّروا للمجتمعات قضية التقسيم كخطر داهم ليكون ذريعة لوأد أي محاولة للتغيير أو حتى النقد.
وانتقل الأمر ليشهر سلاح التقسيم كخطر حتى في وجه مسدى النصيحة..
وجعل الحدود قضية مركزية وباطنها الحفاظ على السلطة كسلطة، والحكام كحكام، كوجهين لعملة واحدة.
كما جعلوا القدس وفلسطين القضية المركزية للعالم العربي باطنها الحفاظ على أمن إسرائيل وظاهرها تحريرها.
ثم التذرع بتفكك وتقسيم الشعب الفلسطيني وكفلت القضية المركزية أن تقتل كل قضية أخرى.
وقد تكون جزء من الإعداد الضروري والحتمي للقضية المركزية ولا يمكن تحقيق هذه إلا بتلك.
سياقات أخطر من التقسيم
وفى ظل ما سبق حدث تغيرات جذرية في العالم وسياقات أخطر من التقسيم،
حتى أصبح التقسيم لا قيمة له ولا يلبى حاجة الغرب.
وهذا حدث بإقرار معاهدة التجارة الدولية والتي تسمح بحرية انتقال الأفكار والسلع والخدمات والأموال كرأس حربة في تغيير القيم للمجتمعات.
العالم كله سوق واحد
بالطبع انتقال السلع والخدمات والأموال والأفكار فهي لا تنتقل مجردة من القيم التي تملكها فالمال ينتقل بقيم ملاكه..
وكذا السلع والخدمات كلها جسور ناقلة لقيم جديدة وكلها تساهم في منظومة استبدال القيم المحلية والأعراف والعادات لصناعة وإعادة صياغة إنسان العولمة الجديد، وكمستهلك مثالي.
وعلى التوازي وصبر وتؤدة، وبحرفية فائقة النظير حين أخفقت العولمة في إنتاج النموذج المثالي في بيروت،
أنتجت مجتمع مثالي في الإمارات 800 ألف إنسان إماراتي يمثل نسبة 18% من سكان الإمارات من كل الجنسيات الشرقية والغربية،
لتكون المثال الحي والواقعي لنظرة الغرب للأسواق وما يجب أن يكون عليه الشرق.
وهي نفس السياسات المزمع الشروع فيها في السعودية 2030 عبر الشراكات المالية..
وطرح كل المقدرات المالية والتي في أوعية شركات في الأسواق العالمية ليتملكها من شاء وأي جنسية تريد.
وتحمل الأموال والأسهم والسندات قيم ملاكها ويصبح لهم الحق في متابعة آلية تحركها وتأثيرها في المجتمعات.
وهو نفس المراد بمصر وما تواجهه مصر اليوم ليس إلا إملاءات لتستسلم لنفس الأنموذج والذي كان ينتوي جمال مبارك في الشروع فيه مصر 2050.
كل هذا أصبح أخطر مما شاع عن التقسيم للدول لأنه لم يكن يمس العقائد والأعراف والقيم.
إنما كان مبعثه الخوف من الاتحاد والاجتماع وعدم الثقة في الرهانات على تغيير الثقافات والذى يهدد مصالح الغرب وإسرائيل بالتالي..
العولمة السوقية أخطر
اليوم لابد من فهم أن العولمة السوقية أخطر على الدول العربية من مشاريع التقسيم؛
لأن التقسيم كان معني به الجغرافيا والعولمة السوقية، مستهدف منه الإنسان العربي، ليدخل منظومة المستهلكين ويتشرب قيم وعادات وثقافات العولمة التي تمسخ الخصوصية المحلية.
وبالتالي تدهس المقدسات والأعراف كونها تحد من الإنتاج الكبير والذي تقل فيه التكلفة غير المباشرة وتتعاظم فيه الأرباح.
وتصبح قرارات تلك الدول رهن من يتحكم في ثرواته ولو بصورة غير مباشرة ويرسم سياستها عنوة عن إرادة أهلها وبحكم الإكراه أو الإذعان.
الإنسان الخليجي المستهلك المثالي
ولهذا تلحظ لأول مرة التصريح بالتعاون الإسرائيلي والخليجي بالرغم أن نشأتهم واحدة وإن كانت سرية.
العلاقات قد فقدت دواعيها لأن الإنسان الخليجي دخل منظومة المستهلك المثالي..
وكالشيخ الذي كان يعزم على قطع الشجرة التي يعبدها الناس فلما قبل عرض الشيطان عليه أن يرجع عنها اليوم ويأتي يخلعها ثاني يوم..
وجد تحت وسادته دينارًا من ذهب فلما انقطع عنه الدينار رجع ليقطع الشجرة الوثن،
فلقيه الشيطان فقال له لما رجعت؟ قال أقطع الشجرة. قال كذبت رجعت لأنك لم تجد الدينار الذهب.
الكنيسة والفاتيكان والخليج
واليوم تشاهد بابا الكنيسة والفاتيكان يتجولون ويستقبلون استقبال الملوك بالخليج ويفد إليه الخليجيون ليقدموا فروض الولاء والطاعة
وتقوم تلك الدول بالإنفاق على بناء الكنس والأديرة وتشترى الفضائيات والصحف كلها.
لتقوم كخادم في صناعة الانسان المستهلك المثالي ولتمسخ روحه وعقيدته ومقدسه وأعرافه.
وأصبحت الدول العربية كسوق واحد للعالم لمن يستطيع ومن يملك الدخول فلم يعد التقسيم هو الخطر.
ولكن الخطر فعلا هو العولمة التي تحمل قيم جديدة ووافدة تحت ذرائع متعددة
