بعد موت النّبِيّ -عليه الصّلاة والسّلام وقعت رِدّة عظيمة، فكلّ العقلاء -ومَن دَرَس الظّاهرة وأسبابها ودواعيها- لم يَنسِب تقصيرًا للنّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أو إلى صحبه؛ فهو -بأبي وأمّي وأهلي أجمعين- قد بلّغ ما أُوحِي إليه، ولم يترك خيرًا في الدُّنيا والآخرة يُقرّبنا منَ الجنّة ويُباعدنا عن النار إلا ودلّنا عليه، وما ترك شرًّا في الدُّنيا والآخرة يُباعدنا عن الجنة ويُقرّبنا من النّار إلا وحذَّرنا منه.
ومَن فَقِه هذا عَلِم أنّ آفات المجتمعات لا تتعلّق بهذا الهذيان الجاري اليوم، ولكنّها أعمق من هذيان هؤلاء مجتمعين ومتفرّقين، وهى من آثار عِلل كثيرة ومعقَّدة منها التاريخيّة، ومنها غير ذلك. وهذا الهذيان الجاري والشّائع غرضه حَرف البوصلة عن فكّ أسرار تلك الموجات من القبح والتفسخ والانهيار الأخلاقيّ، والذى يرجع في تقديري لتعدد رايات الطّوائف وفراغات تمّ ملؤها على عين عدوّ الأمّة التي غابت رايتها لصالح رايات قوميّة تمّ تشكيلها على عين عدوّها ومستعمرها.
وتلك الآفات لن تنقطع أو تخفّ حتى تعود للأمّة الإسلاميّة رايتها الرساليّة، ليتبعها الناس.