مقالات

صفوت بركات يكتب: حرب الإرادات

حرب الإرادات هي الحرب التي لا يأسرها الماضي ولا الحاضر، ولا تخضع للمعايير المادّيّة وحجم الضحايا والخسائر؛ أمّا موضوعها وغايتها فصِناعة المستقبل وتغيير بوصلة التاريخ.

وقد وَقَعَت تلك الحرب مرّات في التّاريخ، مثال ذلك: ما وَقَع بين إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام- وهو الفتي الوحيد، وبين النَّمرود وجيشه وحرسه وشعبه؛ وجَرَت -أيضًا- في هجرة النّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- (راجع مقالي عن الهجرة). ونَفْس الحرب (أي: حرب الإرادات) وَقَعَت بين مَلِك وحُرّاسه وجيشه وشعبه وهُم على قلب رجل واحدٍ في مواجهة غُلام.

فالحُروب المُؤسّسة للتّحوُّلات والانعطافات الحقيقيّة هي حرب الإرادات، ولها مراحل وجَوَلات؛ مثلما حَدَث مع مَلِك الأُخدود، إذ أرسل المَلِك الغُلام مع حُرّاسه، ليُلقوا به من فوق الجبل فيَهلَك، فرجع الغُلام إلى المَلِك، ولم يفِرّ أو يَهرُب، وهلك حُرّاسه، فأرسله للبحر مع حرس آخرين، فهَلَك الحُرّاس ورجع الغُلام ولم يفِرّ أو يَهرُب ثُمّ ما لَبِس أن تواجهت إرادة الغلام مع إرادة المَلِك، فاشتَرطَ شرطَ النِّهاية بأنْ ينطِق «باسم ربِّ الغُلام» ليتمكّن مِن قتله، فكانت النِّهاية.

وهكذا حروب الإرادات، لأنّ الرِّهان على ما بعدها؛ فصُورة ما بعدها هي الغاية، ولا يأسرها الماضي ولا الحاضر، ولكنّه المستقبل، ولا يجب أن يُلتَفَت فيها للكَمّ والحجم والآثار المادّيّة؛ إذ هي حرب تقلُّب الأمور التي لا تنقلب بأسباب مادّيّة، ولا تخضع لقوانين القُوّة وموزينها، ولكنّها تخضع لمنطق الإيمان فقط، وهو ما يشاهده العالَم اليوم في غزّة العِزّة..

صفوت بركات

أستاذ علوم سياسية واستشرافية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights