يُعدّ كتاب «طبائع النساء وما جاء فيها من عجائب وغرائب وأخبار وأسرار» للفقيه الأندلسي أحمد بن محمد بن عبد ربه (ت 328هـ) من أبدع المصنفات التراثية التي تناولت المرأة بالتصوير والتحليل.
لم يكتب ابن عبد ربه دراسة علمية بالمعنى الأكاديمي، وإنما صاغ موسوعة أدبية اجتماعية جمعت ما قاله العرب والحكماء والشعراء والقصاصون عن النساء، فجاء الكتاب خليطاً من الحكم والأمثال والنوادر والطرائف.
وقدّم المؤلف صورة للمرأة لا تخلو من التناقض: فهي عنده العفيفة الوفية إذا سمت، والماكرة الفاتنة إذا انحرفت، بل هي كائن يتأرجح بين اللطف والمكيدة، بين الحنان والتقلب، مما جعل الكتاب مرآةً صادقة لذهنية عصره ونظرته إلى النساء.
أولاً: الصفات المحمودة للنساء
على الرغم من طغيان الجانب السلبي في تصوير المرأة، إلا أن ابن عبد ربه لم يُغفل الثناء على المحاسن. فهو يقول:
«خير النساء من حفظت نفسها، وصانت عرض زوجها، وأحسنت تدبير بيتها، ولم تُسمع جيرانها صوتها».
ويُبرز الحياء باعتباره زينة المرأة العظمى، فيقول: «الحياء تاج المرأة، وملاك أمرها». ويورد أخباراً عن نساء ضربن المثل في العفة والوفاء، مثل المرأة التي آثرت الفقر على خيانة زوجها، فعدّها من جوامع المروءة.
وفي حديثه عن النساء العاقلات يقول:
«المرأة العاقلة عماد البيت، وبها يُصلح الله شأن الزوج والولد».
ثانياً: مكر النساء وحيلهن
أفرد المؤلف مساحة واسعة للمكر، وكأنه طبع غريزي في النساء. يقول:
«المرأة إذا عزمت على حيلة أظلمت لها الدنيا، فلا ترى سبيلاً إلا سلكته».
ويشير إلى أن الغيرة أمّ الحيل، فهي التي تدفع المرأة إلى التدبير والمكائد. ويورد قولاً شاع في زمانه: «إن النساء يغلبن الشيطان في باب الكيد».
ويروي قصصاً عن نساء خدعن الرجال بدهائهن، وبعضها يتجاوز حدود الطرفة إلى التحذير، فيصور المرأة وكأنها خصم لا يستهان به في ساحة العقل والحيلة.
ثالثاً: تقلب طبائع النساء
من أبرز ما يُسجّله ابن عبد ربه حديثه عن تقلب الأمزجة، فيقول:
«المرأة سريعة الرضا، سريعة السخط، تضحك بعد بكاء، وتغضب بعد رضى».
ويشبهها بالريح:
«إن لانت أراحت، وإن عصفت أفسدت».
ويرى أن الرجل محتاج إلى الصبر والمداراة في معاشرتها، لأن طبيعتها متبدلة كالفصول، متغيرة بين ساعة وأخرى.
رابعاً: شرور النساء
لم يتردد المؤلف في التحذير من شرور النساء إذا طغت الشهوة وغلب الهوى، فيقول:
«المرأة إذا غلبت شهوتها أضاعت عقلها، وإذا أضاعت عقلها لم تُبقِ على بيت ولا أهل حرمة».
ويشبّهها في موضع آخر بالسيف:
«المرأة سيف، فإن كان في يد البطل فهو نصر، وإن كان في يد السفيه فهو هلاك».
ويورد حكايات عن خيانة أو كذب أو نميمة أودت برجال وفرّقت أسر، مؤكداً أن المرأة قد تكون باباً عظيماً من أبواب الفتنة.
خامساً: تصنيف النساء بحسب طباعهن
يقدّم ابن عبد ربه تصنيفاً للنساء وفق صفاتهن، فجاءت صورة بانورامية تجمع المتناقضات:
الحييّة: أكرم النساء قدراً وأحبّهن إلى الأزواج.
الغيورة: لا يقرّ لها قرار، تدفعها غيرتها إلى الكذب والمكائد.
كثيرة الكلام: «لا يُؤمن جانبها، ولا يستريح جليسها»، إذ يُفسد اللسان ما تبنيه اليد.
المتقلّبة: يومٌ معك ويومٌ عليك، لا تُحمد حالها.
الفاسدة: «إذا فسدت المرأة لم يُصلحها مال ولا جمال»، فهي مصدر خراب للبيت.
الوفية: وهي نادرة بين النساء، تعدّ ذخراً ونعمة كبرى، لا تُقاس بالمال ولا الجواهر.
هذا التصنيف يُظهر أن المؤلف أراد رسم خارطة لأنماط النساء في عصره، محذّراً الرجال من بعضهن، ومبشّراً بالبعض الآخر.
سادساً: عجائب وغرائب النساء
يزخر الكتاب بالطرائف، مثل حكايات عن نساء فاجأن الرجال بذكائهن في الجواب أو حضور البديهة، حتى صارت كلماتهن أمثالاً سائرة. كما يسرد أوصافاً لنساء الأمم المختلفة: العربيات في فصاحتهن ووفائهن، والروميات في جمالهن، والفارسيات في حيلتهن.
طبائع النساء
إن كتاب «طبائع النساء» لابن عبد ربه نصّ أدبي اجتماعي فريد، يكشف كيف نظر التراث العربي والأندلسي إلى المرأة. فهي عنده كائن مزدوج:
الوفية العفيفة التي تصلح بها البيوت.
والماكرة الفاتنة التي تهدمها إذا غلبت شهوتها وهوى نفسها.
وبذلك قدّم المؤلف صورة للمرأة تجمع بين التقديس والتحذير، وبين المحبة والريبة. فهو يراها باباً من أبواب السعادة إن صلحت، وباباً من أبواب الفتنة إن فسدت.