تتواصل الحشود العسكرية في محيط العاصمة الليبية طرابلس، في ظل تصعيد جديد من قبل حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الساعية إلى تفكيك أبرز التشكيلات المسلحة التي تسيطر على مفاصل المدينة. تأتي هذه الخطوة ضمن “خطة أمنية” تستهدف إنهاء النفوذ العسكري للمجموعات المسلحة وإخضاع المنافذ والمرافق الاستراتيجية للدولة، إلا أن الواقع على الأرض يُنبئ بأن هذا المسار محفوف بالمخاطر.
التحركات الأمنية الأخيرة جاءت بعد اغتيال عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة”، قائد “جهاز دعم الاستقرار”، ما أسفر عن تفكك الجهاز، وفتح الباب أمام مواجهة محتملة مع “قوة الردع الخاصة” بقيادة عبد الرؤوف كارة، وهي إحدى أقوى التشكيلات المسلحة في طرابلس. هذا الجهاز يتمتع بقاعدة شعبية قوية ونفوذ ميداني في مناطق حيوية كـ”سوق الجمعة”، مما يجعل استهدافه أمنياً تهديداً مباشراً لاستقرار العاصمة.
ويبدو أن الدبيبة اختار “الاقتراب الحذر” من الجهاز، مع محاولة خلق توازن بين التصعيد والاحتواء، تفادياً لانفجار الوضع مجدداً، كما حدث في مايو الماضي حين اندلعت مواجهات عنيفة بين “اللواء 444 قتال” و”قوات الردع”، انتهت بهدنة هشة بعد تدخلات سريعة وواسعة من أطراف متعددة.
تحشد كل من حكومة الدبيبة و”جهاز الردع” قوات من خارج طرابلس، في مشهد يعكس ديناميكيات متغيرة وتحالفات متقلبة. تقرير حديث لـ”ACLED” أشار إلى أن هذه التكتلات قد تُعيد رسم خارطة النفوذ في العاصمة، مع دخول فاعلين جدد من الزاوية ومصراتة وتاجوراء والزنتان وورشفانة، ما قد يُنذر بحرب شاملة إذا ما انهارت الهدنة الهشة.
المحللون يرون أن هدف الدبيبة من تفكيك المجموعات المسلحة يتجاوز الاعتبارات الأمنية، فهو يسعى لترسيخ نفسه كقوة رئيسية تسيطر على العاصمة قبيل أي مفاوضات سياسية مقبلة. إلا أن هذا المسعى قد يكون مقامرة مكلفة، خاصة وأن الدبيبة لا يملك قوة نظامية كافية تملأ الفراغ بعد تفكيك تلك الميليشيات.
في المقابل، يراهن “جهاز الردع” على قوته الذاتية وتحالفاته، وعلى أوراق ضغط كامتلاكه سجن “معيتقية” الذي يضم عناصر خطيرة، قد يُشكّل إطلاق سراحهم تهديداً إقليمياً، ما يضع المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، أمام معضلة أمنية كبرى.
وبينما تحذّر أطراف دولية من انفجار الوضع في طرابلس، يزداد القلق من أن يؤدي أي تصعيد إلى تدخلات خارجية جديدة، قد يستغلها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، خاصة إذا ظهرت ثغرات أمنية داخل معسكر الدبيبة.
يبقى السؤال: هل سينجح عبد الحميد الدبيبة في فرض سيطرته على العاصمة عبر خطة تفكيك الجماعات المسلحة، أم أن طرابلس مقبلة على مواجهة دامية جديدة تضاف إلى سجلها الطويل من الصراعات؟