مقالات

طه الشريف يكتب: كيف أحيت غزة موات أمة!

كيف أحيت غزة موات أمة بأكملها! … كما أحيا الله الإيمان بموت غلام الساحر والراهب؟!

هيأ الله تعالى غلاماً لم يبلغ بعد مبلغ الرجال كي يُحْيي به الإيمان الذي أماته كفر ثلة من الأمراء والملوك وخلفهم الملأ من رعيتهم اللذين يأتمرون بأمرهم من الوزراء والوجهاء والسحرة من إعلاميين وصحفيين!

فقد أماتوا نور الإيمان في قلوب شعوبهم التي تمثل الأغلبية المقهورة، لأنه لا بقاء لظلمهم واستبدادهم مع عدالة الحق الذي يقوّض صلاحياتهم فلا يستطيعون ممارسة غوايتهم للناس ليضمنوا لأنفسهم البقاء مستأثرين وحدهم بالأوطان!

ولقد هيأ الله الحاضنة الإيمانية لغلام الملك وذلك حينما أخبر الساحر مليكه بتقدمه في العمر وحاجته إلى غلامٍ يعلِّمه السحر، فقد خشي ساعتها أن تنتهي رسالته بوفاته فسارع للملك يخبره بخطورة الموقف!

حتى لا تذهب الجهود التي بذلت أدراج الرياح ومعها الأموال التي أنفقت لتدشين المحطات الفضائية والصحف وتم إدخالها إلى حسابات البائعين لضمائرهم من الإعلاميين والصحفيين، وقد كانت الشعوب في أمس الحاجة إليها لا من أجل رفاهيتهم بل لضروريات حياتهم ومعاشهم من صحة وتعليم ومواصلات.. إلخ

وكان الراهب العابد الموحد لله في زمن الشرك والطغيان بمثابة الحاضنة الإيمانية للغلام وكانت البداية حينما بدأ الغلام في الذهاب والعودة من بيت أهله إلى مقر الساحر وشاء الله أن يسمعه كلام الراهب!

فدخل إلى قلبه النقي مصادفاً فطرته السليمة التي لم تتلوث بتُرّهات عصره من تأليه رجل عاجز حتى وإن دانت له الرقاب وائتمرت بأمره الجيوش!

فولج حديث الراهب إلى قلب الغلام الغض الطري وتشرّبته نفسه السوية واستحسنه عقله وأسلم قياده الروحي إلى الراهب المٌّعلم! والذي أراده الله له من أجل تجهيزه للمهمّة العظيمة فيما بعد ذلك! الاصطدام بجحافل الطغيان وديوانه وخَدَّامه داخل المدينة.

وطبقا لتدبير الله عزوجل فقد وقع الاختبار وجاءت اللحظة الفارقة التي صدع فيها الغلام بما يحمله من حق في مواجهة الباطل، وقد ضحَّى متحملا تبعات ايمانه رغم ما كان ينتظره من مكانة القربى لدى الملك خلفاً لمُعلّمه الساحر!

وتنازل معها عن المكاسب التي يلهث خلفها الكثيرون!

وأثر الانقياد إلى ربه وأمسك مِعوله الصغير ليهدم ارث السنين من الأهواء التي استقرت في قلوب الناس!

حتى قُبض عليه، ثم استحال على الملك وجنوده قتله إلا بإرشاد من الغلام لهم كيف يستطيعون النجاح في إزهاق روحه؟!

وذلك بأن يجمعوا الناس جميعا في صعيد واحد ثم يوثقونه أمام أعين الحضور ويصوبون السهام نحوه ذاكرين الله ليمكّنهم من قتل الغلام!

ووقع ما خطط له الغلام وفاضت روحه الطاهرة مضحِّياً بالدنيا ومتعها في سبيل إحياء موات أمته، وهكذا أصحاب الحق وحملة مشاعل الهدى يجودون بأغلى ما يملكون، ووقع ما كان يخشاه الملك وتخشاه بطانته الفاسدة وأمَنَ الناس، وأُسقط في يدي الملك وفطن مستشاروه إلى خسارتهم المعركة في مواجهة غلام صغير.

ولقد جاءت الأثار والروايات عن قصص مشابهة لقصة الغلام وكيف جاد أبطالها بأرواحهم لله فكافأهم الله بأن خلّد ذكراهم وأعلى شأنهم وجعلهم مادة لإحياء أمة بأكملها كما حدث مع ماشطة فرعون التي صبرت على قتل أولادها الواحد تلو الأخر حتى أنطق الله رضيعها ليثبّتها على الحق، وكما حدث مع أصحاب الأخدود.. إلخ..

ولقد تغيرت معايير النصرة لدين الله فلم يعد بقاء المجاهدين وحفظهم لحياتهم اشارة على انتصارهم بل أصبح رحيلهم ومفارقتهم للدنيا تكريما لهم ونصرة لقضيتهم وإحياءً لأمتهم كما حدث مع أهل غزة وأبطالها من الرجال والنساء والغلمان ممن ابتعثهم الله ليحيوا موات الأمة الإسلامية والعربية التي ترزح تحت نير القهر والظلم والعبودية تارة وتحت نير الشهوات والملذات تارة أخرى..

ابتعث الله أهل غزة ليحيوا موات أمة ترزح تحت نير العصبية البغيضة لقوميتهم وعروبتهم والتي وضع لبناتها كُتاب وساسة أمثال ميشيل عفلق ومحمد حسنين هيكل وجمال عبد الناصر وكمال أتاتورك وآخرين.

فلم تغني تلك العصبية عن شعوبهم شيئاً بل كانت سببا في تمزقهم وابتعادهم عن مواطن العزة، حتى توحدت أوروبا رغم اختلافها في اللغة والدين والمذهب وتفرقوا هم تاركين خلف ظهورهم كل أسباب الوحدة!

حقا لقد ابتعث الله أهل غزة ليحيوا موات شعوباً دارت بينهم رحى المعارك من أجل مباراة في كرة القدم كما حدث في الماضي بين شعبي الجزائر ومصر! وكما يحدث بين جماهير الأندية العربية من بغضاء وكراهية لا تجد لا مثيلاً في ملاعب الكرة بأوروبا وأمريكا!

ورغم الآلام والجراح والدماء الذكية التي نزفت وأثار الدمار الذي صنعته الآلة العسكرية الصليبية الداعمة لصهاينة تل أبيب، ورغم كل ذلك فلقد استفاقت الأمة من نومتها وعادت من غيبوبتها التي طالت حتى ظن عدوها أنها تعالج سكرات الموت!

والله غالب على أمره

طه الشريف

كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى