بحوث ودراسات

«طوفان الأقصى»، مسار الأحداث والمفاوضات وتبادل الأسرى.. تقدير موقف

منذ دخول اليهود، إلى أرض فلسطين العربية المسلمة، على ظهر الدبابات البريطانية؛ وهم من يبدأون بالعدوان على الفلسطينيين.

حتى أتى «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر؛ ليوقف ذلك النسق، ويضع قواعد جديدة للاشتباك، ويعكس مسار الصراع، من الدفاع إلى الهجوم.

وذلك ما أفقد العدو الصهيوني ميزة المبادأة، ومكسب الهجوم الأول، ووضعه لأول مرة في موقف المدافع قليل الحيلة.

«ضربة البداية»

حسب تحقيق أجرته نيويورك تايمز، باستخدام مقاطع الفيديو، التي سجلتها كاميرات المراقبة، أو التي نشرتها حماس؛ فقد بدأ الهجوم عند الساعة السادسة والنصف، من صباح يوم السبت الموافق السابع من أكتوبر 2023.

وقد كانت البداية باستخدام الطائرات المسيّرة، حيث دمرت «حماس» أبراج المراقبة والاتصالات الرئيسية، على طول الحدود مع غزة، وفرضت نقاطاً عمياء واسعة على الجيش الصهيوني.

وأثناء ذلك بدأ القصف الصاروخي المكثف في اخترق القبة الحديدية، وحيدها لساعات خارج نطاق الصراع، مما صنع غطاء جويا؛ مكن المهاجمين من تنفيذ مهامهم بنجاح.

وبالتزامن مع ذلك، صدر أول بيان رسمي من حماس، على لسان القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف، والذي أعلن في رسالة مسجلة عن انطلاق عملية “طوفان الأقصى”.

وقال فيها ” أنه حان الوقت لكي يفهم العدو أن زمن عربدته بدون محاسبة قد انتهى”. وحث الفلسطينيين على مهاجمة المستوطنات المحتلة بكافة الأسلحة التي لديهم.

وأثناء ذلك فتحت المقاومة، باستخدام المتفجرات والجرارات، فجوات في الحواجز الحدودية، مما سمح لـ200 مهاجم بالدخول في الموجة الأولى، و1800 آخرين في وقت لاحق من اليوم نفسه.

 وقد اقتحم المهاجمون الأرض المحتلة بالدراجات النارية والشاحنات الصغيرة، واجتاحوا ما لا يقل عن 8 قواعد عسكرية، وسيطروا على أهم ثلاث مراكز استخباراتية لجيش الاحتلال، في جنوب الأرض المحتلة.

فقتلوا من واجههم من الجنود والضباط، ثم أخذوا كل ما كان في تلك المراكز، من أجهزة حاسوب، وسيرفرات، واصطحبوهم مع الجنود والضباط الذين لم يقتلوهم؛ إلي داخل القطاع فيما لا يزيد عن 4 ساعات.

وفي ذات الوقت، اجتاحت المجموعات القتالية لفصائل المقاومة المستوطنات المحتلة، حتى عمق 30 ميل من سياج القطاع.

فأسرت عشرات الجنود والضباط من جيش الاحتلال، وقادته البارزين، ومنهم من تم أسره من داخل المنزل بملابسه الداخلية، في مشهد مهين، لن ينساه جيش الاحتلال، أو مستوطنيه، أو داعميه أمد التاريخ.

ومع الدعوة التي وجهها قائد القسام محمد الضيف للفلسطينيين، بمهاجمة المستوطنات المحتلة بكافة الأسلحة التي لديهم؛ سارع أهل غزة وباقي الفصائل الصغيرة، في اقتحام كل المستوطنات القريبة منهم.

فعاسوا فيها، وأخذوا معهم عشرات المستوطنين كأسرى، ثم عادوا إلى قطاع غزة؛ قبل حتى أن يتحرك جيش الاحتلال.

رد فعل جيش الاحتلال الصهيوني

بعد مرور أكثر من ساعة على بدء العملية، أعلن جيش الاحتلال، أن مسلحين من حماس، دخلوا مناطق جنوبي إسرائيل، وطلب من سكان مدينة سديروت ومدن أخرى البقاء في منازلهم.

ثم أعلن الكيان الصهيوني عن حالة الاستعداد للحرب، بتفعيل استدعاء جنود الاحتياط، رداً على استمرار إطلاق الصواريخ من غزة على الأرض المحتلة، كما أعلنت عن بدء عمليات الهجوم المضاد على حماس.

وفي تمام الساعة 10:47 هاجمت أولى الطائرات المقاتلة قطاع غزة. وبعد ذلك بساعة؛ أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأول تصريح له حول ما يجري، من خلال تغريدة على منصة “إكس” قال فيها: إن “إسرائيل” في حالة حرب.

وبحلول ظهيرة ذلك اليوم، بدأ الجيش الصهيوني بشن عمليات لتخفيف الضغط عن مدن جنوبي الأرض المحتلة، بعد ارتفاع الصواريخ التي أطلقت من غزة على تلك المناطق إلى أكثر من 1200 صاروخ.

وبالتزامن مع ذلك، أصدرت الولايات المتحدة أول بيان لها، من خلال مجلس الأمن القومي، الذي أدان ما وصفه بالهجوم الإرهابي، وأكد على الدعم الأمريكي لإسرائيل.

ثم وعلى مدى 20 يوما منذ بدأ الحرب؛ كثفت الطائرات الإسرائيلية قصفها لمناطق عدة في قطاع غزة، وهو ما أدى إلى تدمير عدد كبير من البنايات السكنية والخدمية والجامعات والمساجد والمستشفيات، مستخدمة في ذلك الصواريخ الموجهة والقنابل الغبية ثم القصف بالفسفور الأبيض.

الحرب البرية

وقد بدأت القوات الصهيونية في يوم 27 أكتوبر؛ بتنفيذ أكبر هجوم على غزة منذ بدء الحرب، مع استخدام الدبابات وقوات المشاة لقصف البنية التحتية لغزة بأسلوب الأرض المحروقة.

وقد استمرت الحرب البرية 29 يوما، حتي تم تنفيذ وقف إطلاق النار، وبدأ أول هدنة في 24 نوفمبر.

خسائر جيش الاحتلال

وقد قدرت الخسائر البشرية لجيش الاحتلال، منذ بدأ طوفان الأقصى وحتى وقف إطلاق النار، بـ 2190 عسكري، ما بين جندي، وضابط، وقائد من قادة جيش الاحتلال.

أما الخسائر في المعدات فقدرت بـ 7 كتائب دبابات وناقلات جند وآليات عسكرية، كانت قد دمرت بالكامل أو أعطبت وخرجت من الخدمة.

ويضاف إلى ذلك الخسائر الأكبر أهمية من الجنود والمعدات؛ وهي الوثائق الاستخباراتية التي استولت عليها حماس، من 3 مركز للمخابرات العسكرية في غلاف غزة.

وهذا كله بخلاف سقوط الأسطورة التي روجها الكيان الصهيوني عن نفسه بأن لديه الجيش الذي لا يقهر، وذلك بعد أن انهار هذا الجيش، المسلح بأحدث أنواع التكنولوجيا والأسلحة في العالم؛ ككومة تراب أمام جماعة تحررية صغيرة، ومحاصرة منذ ما يقارب من ثمانية عشر عاما.

خسائر الكيان الصهيوني

لقد أُنشأ الكيان الصهيوني وروج للهجرة إليه باستخدام أسطورتين:

الأولى، أنه الوطن الآمن لكل يهود العالم،

أما الثانية، أن هذا الوطن محمي بجيش لا يقهر.

وقد أظهرت المقاومة زيف الأسطورتين، وأسقطتهم وسحقتهم تحت أرجلها، فبمجرد بدأ الحرب، واكتشاف المستوطنين أن جيشهم ودولتهم كيان من ورق؛ بدأت طوابير المهاجرين لخارج الكيان في التوافد على المطارات المتاحة.

وحسب صحيفة «ذي ماركر» الصهيونية، فإن أكثر من 230 ألف يهودي غادروا إسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى” فيما يعرف بالهجرة العكسية خارج دولة الاحتلال، ولولا القيود المفروضة على السفر، نتيجة توقف الكثير من خطوط الطيران؛ لتضاعف هذا العدد عدة مرات.

أما من ناحية الخسائر الاقتصادية، فحسب تصريحات محافظ البنك المركزي الصهيوني: أن النفقات الحكومية بسبب الحرب تقدر بـ 160 مليار شيكل (43 مليار دولار).

 كما تتوقع تقديرات البنك أن تخسر إسرائيل 35 مليار شيكل (9.5 مليارات دولار) من الإيرادات، تضاف على الخسائر المقدرة.

وأحسب أن خسائر الاحتلال ستكون أكثر من ذلك بكثير، لكنهم ومنذ بدأ الصراع لا يفصحون عن خسائرهم الحقيقية؛ خوفا من انهيار الروح المعنوية أكثر ما هي منهارة.

مسار المفاوضات والهدنة

بعد وصول خسائر جيش الاحتلال إلى نقطة اللاعودة؛ تدخلت أمريكا بوساطة مصرية وقطرية للاتفاق على هدنة أولية، لمدة 4 أيام تبدأ من صباح الجمعة 24 نوفمبر، ويرافقها وقف جميع الأعمال العسكرية من الجانبين، وتبادل للأسرى بمعادلة محتجز صهيوني مقابل 3 أسرى بسجون الاحتلال.

بالإضافة إلى ذلك يتم إدخال 200 شاحنة مواد إغاثية وطبية، و4 شاحنات وقود وغاز طهي، “لكافة مناطق قطاع غزة” يوميا خلال الهدنة.

وسيوقف الطيران الإسرائيلي تحليقه فوق جنوب غزة تماما، وسيوقف تحليقه فوق شمال غزة لـ6 ساعات يوميا خلال الهدنة، اعتبارا من 10 صباحا.

وقد تم تمديد هذه الهدنة مرتين، الأولى لمدة يومين 28،29 نوفمبر بنفس الشروط، ثم يوما أخر 30 نوفمبر بنفس ذات الشروط.

والجميع يتساءل الآن هل ستمتد الهدنة؛ أم ستستأنف الحرب؟

حسب التقديرات الأمريكية التي تصدر عن مراكز صنع القرار، حول مسار الحرب في غزة؛ فإن هناك خسائر هائلة تنتظر الكيان الصهيوني حال استئنافه لهذه الحرب.

لكن جيش الاحتلال يعاني حاليا من حالة من انعدام في الوزن، ولذلك لا يمكن اعتبار القرارات التي تخرج منه قرارات عقلانية، وتستند للمنطق وعوامل الربح والخسارة.

وعلى هذا فإن مسار الحرب بعد 30 نوفمبر؛ يخضع لقدرة كل طرف على تحمل عض إصبعه بفم الخصم، وهنا تظهر لنا أهمية الأسرى الذين بأيدي المقاومة.

ويظهر السؤال الأكثر إلحاحا على أذهاننا جميعا، وحسب التصريحات التي خرجت في بداية الحرب:

هل يمكن التفريط في الأسرى في صفقة واحدة؛ مقابل تبييض السجون؟

والإجابة بناء على المعطيات التي بين أيدينا ستكون وفق المسار التالي من وجهة نظري:

أولاً: هناك احتمال كبير بأن تستأنف الحرب بداية من الغد أول ديسمبر، خاصة بعد المكاسب التي حصلت عليها حماس من الهدنة، رغما عن أنف جيش الاحتلال، والتي يمكن مطالعتها بالضغط هنا

ولذلك سيسعى الكيان الصهيوني إلى منع حماس من الحصول على مكاسب أخرى من الهدنة.

ثانياً: وبرغم ارتفاع فرص استكمال الحرب، يمكن أن تستغل حماس الدعم العالمي، وضغط الداخل المحتل على قياداته لاسترجاع الأسرى؛ للعودة مرة أخرى إلى الهدنة – حتى لو استأنف جيش الاحتلال الحرب ليوم أو أيام- ويمكن وقتها أن تمتد الهدنة لعدة أيام أخرى.

حيث ستعمل حماس على تأمين جميع احتياجات القطاع من الغذاء والعلاج والكساء والوقود، وكذا تزيد من مدة التقاط الأنفاس، وتعيد التموضع العملياتي لقواتها.

ثالثا: حسب المعطيات على الأرض، وبغض النظر عن أي مغريات لهذه الهدنة أو الهدن القادمة؛ فإنها لن تمتد بنفس المعادلة، وذلك بعد انتهاء تبادل المحتجزين غير العسكريين.

حيث ستبدأ حماس في فرض معادلة مختلفة تماما للإفراج عن العسكريين، والتي سيكون تبييض السجون أقل ثمن فيها، حيث يمكن أن تكون الخطوات القادمة في اتجاه توسيع القطاع على حساب مستوطنات الغلاف.

الخلاصة

نظرا لما سبق بيانه، واستنادا على تحليل الأحداث؛ فإن ما يشاع عن الصفقة الشاملة، لتبادل الأسرى جميعا مقابل تبييض السجون؛ لا يزيد عن بالونات اختبار وتكتيكات تفاوضية من حماس.

فعملية الإفراج عن الأسرى العسكريين المحتجزين عند حماس؛ سوف تستغرق وقتا طويلا وليس عدة أيام كما يتوهم البعض، بل ربما شهور، ويمكن أن لا تستوعبها سنة 2024 كلها، فحماس تراهن على الوقت الذي لا يملكه جيش الاحتلال.

مصطفى خضري

رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام «تكامل مصر»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى