أقلام حرة

عادل الشريف يكتب: ثورة محندقة

خرجتُ أمس إلى وسط مدينة فرانكفورت على مسافة أكثر من مائة كيلومتر للمشاركة في وقفة تذكيرية بثورة يناير من الثانية عشرة وحتى الثانية ثم التحول إلى مظاهرة لنصرة فلسطين من الثانية إلى الثالثة والنصف، وطبعا لم يحضر لوقفة يناير إلا عشرة من الشباب المصريين لكن مجموعة أغاني الثورة استقطبت كثيرين يشاهدون اللافتات التي رفعناها، ولما وصلنا إلى مكان التظاهرة الفلسطينية كان العدد قليلا جدا لإن التصريح بالتظاهرة وصل قبل ساعتين فقط من موعدها لتكون حيلة لتقليل الحضور لكن فضل الله تدارك منظمي التظاهرة فبعد دقائق تحوّل الكثيرون الذين يتسوقون في هذا المكان وفي هذا الوقت ليشاركوا في التظاهرة، وممن شارك على هذه الوتيرة عجوزان تركيتان اتيا مسرعتين ليدركا هذه الفرصة الرائعة لنصرة الحق.

تعثر الرجل الكبير البالغ الثمانين من العمر وهو يرفع منتصف علم فلسطين البالغ عرضه ستة أمتار لكنني أسرعت إليه أسنده وأقيل عثرته ثم بقيت متأبطا ذراعه ومشاركا في رفع العلم من المنتصف ليكون هذا تشريفا لي كأنني ارفع راية في معركة، قص عليّ صاحبي الجديد أن السيدة التي تقود سيارة الإذاعة إنما هي ألمانية وأن المجموعة المنظمة للتظاهرة اتصلوا بها للاتفاق على استئجار السيارة المزودة بسماعات مضيئة أعلى السيارة، فلما علمت السيدة أنهم يحتاجون سيارتها لتظاهرة فلسطينية اخبرتهم انها لن تؤجرها لهم بل ستأتي بسيارتها وتقودها بنفسها وليسمحوا لها بكلمة تقولها في نهاية التظاهرة، وكانت من أقوى الكلمات وبغير ورقة بين يديها كأن قضية فلسطين وغزة حاضرة في العقل والقلب تماما.

انصرفت من التظاهرة راض عن هذه المشاركات ومجددا النية لربي داعيا ان يكون جهد المقل هذا سببا ولو يسيرا لعفو الله وبركاته على اهل غزة.. لقد قمت بهذه الرحلة في عنفوان إضراب القطارات ولقد تعطلتُ نحو الساعة أثناء الذهاب لكنني عند العودة تعطلت لأكثر من ساعتين، وقد وصل أحد القطارات بعد انتظار ساعة وربع في إحدى المحطات الفرعية وكان عدد من الناس يربو عن الخمسين في انتظاره للوصول إلى محطة (هناو) للتحول إلى قطار آخر يحملنا لمدينتنا التي نقطنها، لكن راكبي القطار والذين وصلوا معه إلى محطتنا فوجئوا بلافتة القطار تعلن العودة من هذه المحطة إلى الاتجاه العكسي (فيسبادن)، أُصيب الجميع بالإحباط وبدأ الراكبون يتركون القطار والذين سيركبون يرون اللافتة الجديدة فيتراجعون إلا صاحبكم الذي علا صوته يهتف بقوة (عفوا يا سائق القطار لسوف تكمل طريقك المسجل في لافتة المحطة ولسوف أمنع الباب من الإغلاق واستدع الشرطة إن شئت) ثم جلست على باب القطار مادا ساقي خارجه فإذ بالجميع اليائسون المستسلمون يتوزعون بسرعة على أبواب القطار ويفعلون مثلي.. لم تستمر ثورتي أكثر من ثلاث دقائق حتى وجدنا لافتة المحطة واللافتات داخل القطار تعيد الإعلان عن الاتجاه الأصلي، فدخلت القطار وجاء الآخرون يشكرونني على إنقاذهم من هذه المشكلة الغبية، وكلهم يقولون كان السائق سيفعلها منتهزا فرصة أن لا أحد يتكلم او يثور او يعترض.

وهكذا قارئي العزيز: إن الثورة ليست عملا فوضويا بلطجيا كما يصورها السلفنجية ومفتيوا السلاطين البترودولارية ولكنها أن تقف للظالم متبع الهوى لتقول له إياك أن تستهين بي وبرجولتي وكرامتي فأنا متجهز لبذل روحي لعدم الاستهانة بي وبحقوقي.. تصبحون على ثورة جديدة قريبة إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى