أقلام حرة

عادل الشريف يكتب: من ذاكرة الفجر.. «ثورة مبكرة»

بينما كنا نخرج من المسجد بعد الصلاة وننتعل نعالنا، إذْ بأحد إخواننا الكرام يقول لواحد من زملاء العمل القدامى (معظم من يصلون في هذا المسجد ضباط المعاشات من القوات المسلحة): هل سمعت الأمّور بالأمس في المؤتمر العام للحزب الوطني، الولد بيتكلم كأنه هو رئيس الجمهورية وليس أباه (يقصد بالطبع جمال مبارك.. وكان ذالك في منتصف العام 2010 تقريباً)، فأجابه زميله بلغة الخبير الواثق: خلاص يا سيدي هي خلصانة، وهذا هو الأمر الواقع، جمال هو الرئيس واستلمها خلاص، والذي تبقى هو مجموعة إجراءات ديكورية ليس أكثر.

انطلق الإثنان في طريقهما بينما أخوكم في ذهول من أمره.. فهؤلاء ضباط جيش كبار سابقين، وإذا كان هذا حالهما من الرضا والاستسلام، وهما من أهل صلاة الفجر فكيف بغيرهما، هذان يدركان جانبا ليس بالقليل عن حجم فساد دولة مبارك، ومدي صهيونيته وخيانته ومستسلمان، فكيف بمن لا يدرك؟

فتحت فرجار خطواتي لدرجة اللهاث المُصاحب للإسراع، فأدركتهما وهما يتصافحان للافتراق إلى منزليهما.. على رسلكما.. لا تؤاخذني فلي كلمة معكما، تنبها متعجبين وأنا أُلقي سؤالي الغاضب: بماذا افتتحتما صلاة الفجر التي صليناها قبل دقائق؟، قال الخبير الواثق: بالتكبير طبعاً، هل يحتاج هذا إلى سؤال؟، قلت: وهل التكبير لله يعني أن تعلن رضاك عن استمرار الطغيان والظلم والانحراف والفساد والخيانة والعمالة، حتى إذا انتهى العمر الافتراضي للطاغية الأول فأنت متجهز نفسيا أن تستسلم للطاغية الابن بدون أي اعترض أو مقاومة ولو بالصراخ والاستنكار؟

توقف الرجل ثواني ليتأملني ثم قال: يا أخي نحن جميعا نعرفك حافظا للقرآن عاقلاً مهذباً هادئاً، لكن لأول مرة أعرف أنك متحمس مثل الشباب الطائش وغير واقعي، إننا نتعامل مع الواقع بالخبرة وليس بالحماس الفارغ، وتكلم الثاني محاولاً تخفيف وطأة كلمات الأول: عادل بيه مازال شاباً ويفكر بطريقة الشباب.. أليس كذالك يا عادل بيه؟

فأجبت: عادل بيه يحبكما ويحترم مجيئكما إلى بيت الله للصلاة، ولصلاة الفجر خاصة التي يغفل عنها معظم الناس، ولذالك لم أشأ أن أترككما وأنتما تقعان في جريمة كبيرة.. لأن عدم الكفر بالطاغوت أعظم ترجمة عملية للشرك (ففي أول تابع من توابع زلزال آية الكرسي: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى، والكفر بالطاغوت هو التطبيق العملي للنصف الأول من كلمة التوحيد (لا……. إله / يكفر بالطاغوت) فإذا نجح العبد فيها بكفران كل الطواغيت المادية والمعنوية تحقق له النصف الثاني من كلمة التوحيد (إلا الله / ويؤمن بالله)، فإذا كنت رغم محبتك لله والمحافظة على الصلاة تُحبط ذالك كله بأن ترضى بطاغوت، وتسوغ للآخرين الرضا، وتقربه إليهم حتى لا يقاومه أحد، ولا يكفر بطاغوتيته أحد، ويسوغ لك الشيطان ذالك بدعوى الخبرة والحنكة والتعامل الواقعي مع الأحداث، لو كان ذالك حقاً ما تحرك النبي صلى الله عليه وسلم حركة واحدة، ولانطق حرفا واحدا في طريق الدعوة ولرضي بعبادة قومه للأصنام الحجارة.. هل من يقول: إذا وجدت قوما يعبدون العجل فضع أمامه كومة برسيم كلامه واقعي وحكيم، فلماذا ألقى موسى الألواح وفي نسختها هدايات الله وتشريعاته لما علم أن قومه اتخذوا العجل معبوداً، ورجع إلى قومه غضبان أسفا يجر أخاه من رأسه ولحيته غضباً وثورة؟

نظر الرجلان إلي لثوان، وقال مدعي الخبرة: الحقيقة كلامك واضح الحق مائة بالمائة، استغفر الله العظيم.. دا انا كنت هاروح في داهية، ثم استغفر مرة أخرى.. فقلت: سامحني أخي الحبيب، أتظن أنك بتلك الكلمات قد استغفرت؟، إن الاستغفار الذي يقصده الله يكون حتما استغفارا ميدانياً، أي في نفس ميدان العمل السلبي تتحرك في الاتجاه المعاكس، فوجب عليك مثل عكرمة بن أبي جهل الذي رأى أنه لن يقبل الله إسلامه إلا أن ينصر الله ودينه بكل معركة كان يحارب فيها الله ودينه.. ستتحرك من الآن في كل ساحة أو لقاء فردي أو جماعي لتقول: إننا لسنا نعلاً يرثه الولد عن أبيه، إننا أمة من الأحرار، لن نستسلم للطغيان ولا للطغاة، لنا إرادات وعزائم ورجولات لابد ان نقاوم بها.. دمعت عينا الرجلين، ونظر الخبير حوله فلم يجد أحداً سائراً فذهب إلى سيارة يهم صاحبها بالخروج بها، فتوجه إليه وسلم عليه وبعد ثوان سمعت صوته يعلو يقول لصاحب السيارة لسنا عبيدا لأحد إلا الله الذي خلقنا ويرزقنا.. ثم عاد إلي ليقول: الأول.. إن شاءالله لن أهدأ قبل الألف.. سلمت على الرجلين مُسرعاً لأخبئ دموعا تقول لربها الحبيب: أيرضيك ذالك يا ربنا…

لا تفاضلوا بين مبارك والسيسي لتقولوا: فين أيامك يا مبارك.. فتنتكسوا، ولكن قارنوا بين الحياة وفق دين محمد صلى الله عليه………. والواقع المر مع السيسي وبقية العصابات المجرمة، لإننا أمة محمد ولن نرضى بالواقع مهما كان مستقويا ومتترساً.

كتبته في 5 نوفمبر 2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى