عامر شماخ يكتب: أحسِنُوا جِوارَ النِّعمِ

التجرؤ على المعاصي والإعراض عن ذكر الله وشكره يجلبان الهمّ، ويخربان العامر، ويستدعيان ضنك العيش وضيق الحال؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

 وإذا سادت الخطيئة وخالف الناس أمر ربهم، تعرّضوا للفتن والمصائب، وسلّط الله عليهم من جنوده، التي لا يعلمها إلا هو، ما يفسد معايشهم، ويحيل حياتهم إلى تعاسة ونكد؛ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]، يقول النبي ﷺ: «إذا ضنَّ الناسُ بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتركوا الجهاد في سبيل الله، وأخذوا أذناب البقر، أنزل الله عليهم من السماء بلاء، فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم».

 إن كبرى المعاصي التي يقع فيها الخلقُ هي حبُّ الدنيا وانشغالهم بها، وانصرافهم عن ذكر الله وطاعته، ونسيانهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فيسود الفساد والجهل والنفاق وتكثر الخبائث، ويعلو الفجار على الأبرار.. هنا تتدخل القدرة الإلهية، فتصب لعنتها على هؤلاء العصاة، وتسلّط عليهم من لا يرحمهم، وتَحُوْلُ بينهم وبين رغباتهم غير المشروعة؛ كى لا تكون فتنة ويكون الدين لله؛ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) [سبأ: 54].

يحب الله من عباده: الطائعين، الذاكرين، الشاكرين الذين يخشونه ويخافون عذابه، فيدُخلهم في كرامته، ويفتح لهم أبواب خزائنه، ويقرّبهم منه، معليًا قدرهم، رافعًا ذكرهم، حارسًا إياهم من كل سوء وأذى.. عن أبى سليمان الداراني: «من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره»، ويروى عن محمد بن سيرين، أنه لما ركبه الدين اغتمَّ لذلك، فقال: «إني لأعرف هذا الغمّ بذنب أصبته منذ أربعين سنة».

وقال بعض السلف: «إني لأعصى الله، فأرى ذلك في خُلق دابتي وامرأتي»، وعن جبير بن نفير قال: «لما فُتحت قبرص فُرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكى، فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! قال: ويحك! ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره بينما هم أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى».

يشكو المسلمون الآن من تسلّط الأعداء، وجور الحكام، وانتشار الأوبئة والأوجاع، ويعانون الغلاء والبلاء، والرشا والفساد، وسوء الأوضاع.. وما دروا أن هذه هي سنة الله في الأمم الشاردة، ولو عادوا لكتاب ربهم لعلموا أن ذلك قانون إلهي غلّاب لا يتغير ولا يتبدل بتغير الأزمنة أو الأمكنة؛ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

يقول النبي ﷺ: «أما بعد يا معشر قريش، فإنكم أهل لهذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم (أي: يجلوكم ويزيل خبثكم) كما يلحى هذا القضيب -والقضيب في يده-، ثم لحى قضيبه فإذا هو أبيض يصلد (يلمع، أو يحدث صوتًا).

إن القوم إذا عصوا ربهم وبالغوا في مخالفته منعهم رحمته، وحجز عنهم بركات السماء، وألبسهم لباس الخوف والجوع.. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فقد ضرب الله لهم المثل في جلّ سور القرآن بأقوامٍ حل عليهم مكر الله وغضبه، لفعلهم الخبائث والمنكرات، فجاءهم العذاب من كل مكان، أشكالاً وألوانًا؛ (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]، (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [النحل: 26]..

بل إن لعنة المعصية عليهم تتخطاهم إلى أبنائهم وأبناء أبنائهم، يقول وهب بن منبه: «إن الرب -عز وجل- قال في بعض ما يقول لبنى إسرائيل: إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإذا عُصيت غضبتُ، وإذا غضبتُ لعنتُ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد».

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights