عامر شماخ يكتب: أينما يكن الاستبداد فثمَّ الفشل والفساد
جُلْ بنظرك في التاريخ، أو حتى حول العالم الآن، واستخرج لي نظامًا مستبدًّا واحدًا متقدمًا حاز الحضارة والرقى، أو للإنسان فيه قيمة.. لن تجد -بالتأكيد-؛ لأن أنظمة القمع -بلا استثناء- خُلقتْ لتؤسس الفشل، ولتدشن الفساد؛ ذلك أنها مخالفة لسنة الله في البشر، فإن فردًا واحدًا هو الذي يحكم -وقد يكون محدود المواهب- فيأمر وينهى، ولا يردّ قوله، ولا يُسأل عما يفعل، ويعتقد أنه إله: لا يخطئ ولا يسهو ولا ينسى.
كم من طاغية صرخ في الجماهير، فالتفوا حوله يهتفون باسمه، ويفدونه بحياتهم، وقد ظنوا -لجهلهم- أنه سوف يأتي بما لم يأت به غيره من الطغاة الذين سبقوه، ثم تدور الأيام فإذا الذي كان أسدًا هصورًا يصير فأرًا قد ابتلّ بالماء، وإذا الوعود أضغاث أحلام، وإذا البلد يسقط، والناس تجوع، بعدما أُهدرت الأموال على الدعاية للزعيم، وبعدما توقف الإنتاج، إلا إنتاج الكلام الرخيص واختلاق المعارك الوهمية، وكثرة الجدل والمماحكة.
وإذا كانت دول الاستبداد لا تقتصر على جنس دون آخر، أو على نطاق جغرافي دون نطاق، فإن بلادنا العربية هي أكثر بلاد الدنيا ابتلاء بهذا النوع من الحكم؛ لسبب رئيس: أن تلك الدول مستهدفة دائمًا من الغرب الصليبي الذي فشل في احتلالها عسكريًّا وضمها إليه أو تغيير عقائد أبنائها، فلم يعد أمامه سوى تولية أحد أبنائها عليهم؛ ليسومهم سوء العذاب، ولتبقى هذه الدولة أو تلك خاوية على عروشها، رغم كثرة خيراتها، ووفرة رزقها، وأصالة أبنائها.
أين العراق الآن بعد حكم المستبدين؟ وأين ليبيا؟ وأين سوريا؟ وأين مصر؟ وأين وأين…؟ لقد كُتب عليها جميعًا الفشل، والتخلّف، والضياع؛ لأنه عندما غابت الشورى والديمقراطية عن هذه البلاد وحكمها الفرد الذي يسبح بحمده مجموعة من القرود، ضاع الأمل في النهوض، وعجز هؤلاء الفاسدون عن أن ينجزوا شيئًا، وكيف ينجزون وهم سارقون؟
سرقوا الحكم، وسرقوا المال، وباعوا أسرار الدولة، وتحالفوا مع الشيطان من أجل مصالحهم، ونزواتهم، ومن أجل أولادهم ومن يعولون، ثم تحوّل الإثم إلى إثم أكبر، فصاروا معول هدم لصالح الغرب، ولصالح اليهود، وما المقابل؟! في اعتقادي: لا شيء، ذلك أنهم كالساقطة التي وقعت في الوحل ثم امتنعت عن فعل الفواحش، فلو أنها أقسمت أغلظ الأيمان على شرفها وعفّتها ما صدقها أحد، فهي لذلك تظل في وحلها لا تستطيع منه فكاكًا ولو بدون مقابل.
إن الذين يستغربون من فشل المستبدين، ومن كثرة فسادهم، رغم وعودهم للجماهير (الهادرة!!) التي تخرج تهتف لهم فيأحفالهم وثوراتهم المصطنعة يجهلون تلك القاعدة، ويجهلون أيضًا أن هؤلاء فاقدو الوطنية، ولو أن بهم ذرة من الانتماء لهذا الوطن ما أوصلوه إلى تلك الحال.
كان بإمكانهم أن يجعلوا الحكم شورى ولم يفعلوا، كان بإمكانهم أن يحترموا حقوق الإنسان ولم يفعلوا، كان بإمكانهم أن يعتزوا ببلدهم وأن تكون كلمته هي العليا، ولم يفعلوا أيضًا، ولن يستطيعوا؛ لأنهم فقدوا الداعم والنصير: الشعب، الذي أذلوه، وسرقوه، وخدعوه، وعاملوه كالعبد الآبق، فكانت النتيجة كما نرى: إفلاسًا وفشلا ذريعًا، وفسادًا لا تحده حدود، والشعب تائه عاجز، ينتظر المصير السوري أو الليبي -على أحسن الآمال.