مقالات

عامر شماخ يكتب: الحصادُ المُرُّ لانقلابِ يوليو 1952 [2/ 3]

بدءًا من أغسطس عام 1954 بدأ (عبد الناصر) خطته الجهنمية للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين التي تقف عائقًا أمام طيشه وطغيانه؛ باعتقال شبابها وتعذيبهم، ونشر الأكاذيب عنهم بالصحف، ثم بدأ في التخطيط لاغتيال المرشد (حسن الهضيبى). وفى 26 من أكتوبر عام 1954 لفق لهم حادث المنشية؛ لتقع أكبر مذبحة في تاريخ مصر ضد الحريات وحقوق الإنسان…

لقد تم القبض على كل مَنْ ينتمي للجماعة، تم إعدام ستة منهم، هم: عبد القادر عودة، الشيخ محمد فرغلي، يوسف طلعت، إبراهيم الطيب، هنداوي دوير، محمود عبد اللطيف. أما من بقي معتقلاً فقد رأى الموت بعينيه من هوْل التعذيب، مِنْ بشر ليسوا بالبشر، بل شياطين في صورة بشر.. لقد تفننوا في «سلخ» المقبوض عليهم، دون موتهم، حتى صار الموت بالنسبة لهم أرحم بكثير مما يعانونه في هذا الجحيم المسمى «السجن الحربي».

وفى اليوم الذي تخلَّص فيه من (نجيب)، وكان قد وجّه ضربته القوية لجماعة الإخوان، خصمه اللدود، انفرد الطاغية (عبد الناصر) في 14 من نوفمبر عام 1954 بحكم مصر، صار الحاكم بلا منافس، الديكتاتور العسكري، الذي تمنّى يومًا أن يضغط على زر فينام المصريون جميعًا، ويضغط على زر آخر فيستيقظوا…

 من أجل ذلك عَسْكَر الدولة، أخرج الجيش من ثكناته ونشره في المصالح والمؤسسات المدنية فخربت الدولة وتوالت الكوارث، وبكى المصريون على زمن الملكية الذي ساده مناخ سياسي به كثير من الحرية والحياة البرلمانية وكانوا ينتقدون فيه كل شيء ويهاجمون الملك ذاته..

 أما اليوم فلا يجرؤ أحدٌ مهما علت مكانته أن ينتقد ضابطًا ولو كان في بداية تخرّجه، لقد ذهب الملك وجاء (13) ملكًا آخرون، لكنهم لصوص مرتشون، سطوا على أموال وممتلكات الناس، وسرقوا ذهب وقصور العائلة المالكة، وكوّنوا لذلك الشِلل الأشبه بالعصابات، وقد أرخى لهم (الزعيم) حبل الفساد لإحكام السيطرة عليهم وكسب دعمهم، فأفسدوا كل شيء.. فاستحقوا الهزائم المنكرة.

كفر (الزعيم الملهم) بكل الآراء إلا رأيه، وهو الجاهل الغشوم، وبكل القوانين والدساتير إلا قانونه ودستوره الذي فصّلوه على مقاس استبداده وطغيانه، كان شعاره: (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، و(النقد في إطار الميثاق)، فألغى الانتخابات، وحلّ الأحزاب، وأسس كيانات سياسية مشبوهة، وأوجد فئة من المنتفعين والوصوليين دأبوا على نفاقه وإرضاء غروره..

 وكرّس الزعيم فكرة تزوير الاستفتاءات؛ إذ استُفتِى عليه ثلاث مرات فكانت النتيجة عام 1956 (99.9%)، وعدد الرافضين (5000) صوت من إجمالي عدد السكان الذي بلغ حينها نحو (25) مليونًا، وفى استفتاء الوحدة مع سوريا عام 1957 ارتفعت النسبة إلى (99.99%)، وعدد الرافضين (247) صوتًا، وفى استفتاء عام 1965 ارتفعت النسبة إلى (99.999%) وانخفض عدد الرافضين إلى (65) فردًا لا غير.

[يتبع]

عامر شماخ
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *