عامر شماخ يكتب: الخطاب الديني.. من يجدده؟ ولماذا؟
لا يمرُّ يومٌ من أيام «المحروسة» الآن دون أن يظهر من ينال من ثوابت الدين، والطعن في أئمته ورموزه، أو محاولة تمييعه وتدجينه، وهي خطة قديمة جديدة، بدأها المحتل الغربي لبلادنا، وسار عليها -بل زاد فيها- وكلاؤه عندنا المُسمَّوْن بأسمائنا الناطقون بلغتنا.
وقد سمعنا ورأينا من أباح المخادنة، ودعا إلى إعادة النظر في الحدود، والأنصبة والمواريث، وشكّك في السنة ورواتها، ومن بين هؤلاء -للأسف- معمَّمُون، يساندهم في ذلك العلمانيون والملاحدة اللادينيون والشهوانيون والمنافقون المنتفعون وأتباع الصوفية المائعة، والطائفيون، وإعلاميون وكتَّاب وفنانون ومشاهير لهم أغراض ومصالح شتى.
ورغم أن هذه الحملات الضالة تزيد المسلمين استمساكًا بدينهم، ومصيرها الفشل لا محالة، كما فُعل بأشياعهم من قبل، وأنهم سوف ينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون -فإنّنا ننبه الغافل ونحذّر المخدوع من بضاعة هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ويشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا، ولبئس ما يفعلون؛ ونؤكد أن التجديد فريضة في ديننا الذى لا يعرف الجمود أو التبعية، وهو أمر ٌواجبٌ في دعوته التي لا يحدها زمان ولا مكان، لكنْ للتجديد رجالُه، والمقصودُ منه هو تجديد الدين للأمة بعد التغير والانحراف الذى طرأ عليها، وردِّها إلى مسارها الصحيح، لا تبديل الدين نفسه وتغيير أركانه وتمزيق معالمه وحدوده.
ورجال التجديد في الإسلام هم الذين عناهم الله بقوله: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122]، وحدّدهم النبي ﷺ في الحديث المشهور: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وأولئك هم أولو الأمر والنهى، والحلّ والعقد، أهل العلم العاملون بالكتاب والسنة، المشهود لهم بالإيمان، الذين يملكون آلة النظر في النصوص، وقد جربتهم الأمة فعلمت فيهم الأمانة والصدق والبعد عن أبواب السلاطين. أما الذين يضعون السُمَّ في العسل ويوجهون سهام النقد والسخرية لرموز التجديد من القدماء والمعاصرين، فإن من ورائهم عدوًّا لنا يعدْهم ويمنّيهم، وما يعدهم إلا غرورًا.
إن التجديد الحقيقي هو الترجمة العملية لقول النبي ﷺ: «يسروا ولا تعسروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا»، ولقوله ﷺ: «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم»، وهو يعنى كذلك تنقية الدين من الموضوع والمدسوس، والعادة والتقليد الجاهلييْن، ويعنى عرض شرائع الدين بصورة تناسب العصر؛ شريطة ألا تمسّ الثابت في الكتاب والسنة وما لا اجتهاد فيه؛ كالعقائد والتكاليف والحدود والمحرمات وفضائل ومساوئ الأخلاق إلخ؛ توكيدًا لمنحة الله لنا: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ… ) [البقرة: 185].
إن النصوص الشرعية ليست كلأً مباحًا يرعى فيه الجهلة والدهماء، وإذا كان من أصول الفقه: «تغيّر الفتوى بتغير الزمان والمكان» فإنه يُراعَى ألا يكون ذلك تبعًا للهوى؛ لإنكار معلوم من الدين بالضرورة، أو للتغمية على المسلمين لتحريف دينهم، بالزيادة عليه أو النقصان منه، وقد شهد الله بتمامه في محكم آياته بقوله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…) [المائدة: 3]، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89].
والأجدى لمواجهة هؤلاء المتربصين بالإسلام هو الرد عليهم بالأدلة، ومواجهتهم، وفضح نياتهم، والتبيين للعامة دواعي إحيائهم لفرق ضالة وبعث رموزها واعتبارهم عقولًا متحررة، وأسباب ترويجهم لمصطلح «الإسلام السياسي» لتنفير الناس منه، وهو الغرض الأساس الذي نفروا لأجله. ولنذكر الجميع أن ثقات معاصرين كشفوا هدف هؤلاء الجاحدين، منهم الشيخ «على الطنطاوي» بقوله: (هذه هي الكلمة الثانية نقذف بها في وجوه هؤلاء المفسدين الذين يتسمون بالمجددين، بعد أن داخلناهم وعرفنا طواياهم، فعلمنا أن الجمود الذي أنكرنا على بعض المشايخ يعد خيرًا إن قيس بهذا الجحود الذي وجدناه عند بعض الشباب).