السبت سبتمبر 21, 2024
مقالات

عامر شماخ يكتب: النبي ﷺ يتحدث عن نفسه

مشاركة:

قليلةٌ هي الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ ويتحدث فيها عن نفسه. ورغم هذه الندرة بجانب ما روي عنه ﷺ، قولًا وفعلًا وتقريرًا ويمثل الجناح الثاني من الوحي، فإن هذه الأحاديث التي جاء بعضها على سبيل استدعاء الذكريات تترجم شخصية هذا النبي الخاتم ﷺ وتظهر قدره ونواحي عظمته.

ووددتُ لو خرج رجلٌ لهذه المهمة، يحصي أمثال هذه الأحاديث ويدققها، ويستخرج منها العظات ما تنتفع به الأمة، ولتعلم أن قائدها ﷺ له من الذكريات ما يليق بموقعه المتفرد في سلسلة الرسل.

يتحدث ﷺ عن مظاهر حفظ الله له قبل النبوة فيقول: «ما هممتُ بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمُّون به إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها: أبصرْ إلى غنمي حتى أسمر (السَمَر هو الحديث ليلًا) هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجتُ، فجئتُ أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء وضرب دفوف ومزامير، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوتُ بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حرُّ الشمس فرجعتُ فقال: ما فعلت؟ فأخبرته. ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجتُ، فسمعتُ مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوتُ بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا. قال ﷺ: فوالله ما هممتُ بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته».

 ويؤكد ذلك في حديث آخر بقوله ﷺ: «لما نشأتُ بُغِّضتْ لي الأوثان، وبُغِّضَ إليَّ الشِعر، ولم أهمُّ بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين؛ فعصمني الله منهما، ثم لم أعد».

ولا ينسى ﷺ حدثًا مهمًّا وقع في شبابه وفيه النصفة والعدل للإنسان بإطلاق؛ مما جاءت به رسالته من بعدُ، وهو «حلف الفضول»، الذي تعاقد فيه مجموعة من قبائل مكة، منها بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو أسد وغيرهم، على حماية المظلومين ونصرتهم والتصدي للظالمين.. قال ﷺ: «شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حُمر النعم، ولو دُعيت إليه في الإسلام لأجبتُ».

وإذا كانت مذكرات الزعماء والمصلحين لا تخلو من افتخار بالذات وشعور بعظمة أدوارهم وفضلها على مجتمعاتهم؛ فقد أتى هذا الجانب في ذكريات النبي ﷺ تعضيدًا لأمر اصطفاء الله له وأنه نبتة رعتها عين الخالق مذ كانت في عالم الغيب، يقول ﷺ: «إن الله خلق الخلق، فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا»..

 ويقول: «أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة». ويقول: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وُضِعَتْ هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين».

ومثلما يواجه القادة المحن والبلاءات، ثم يحكونها فيما بعد على سبيل الذكرى أو التندر، فقد تعرض النبي لواقعة اعتبرها، على خلاف ما رأت زوجه عائشة، من أصعب الواقعات.. قالت -رضي الله عنها- للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضتُ نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل -عليه السلام- فناداني، فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم. فناداني ملكُ الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».

Please follow and like us:
عامر شماخ
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب