عامر شماخ يكتب: الواجبُ على مصر في قضيةِ فلسطينَ
وفقًا لمحددات الأمن القومي المصري الذي تشكّل عبر التاريخ، يبدأ خط الدفاع الأول عن مصر من الشمال بدءًا من بلاد الشام، ثمّ تُشَكِّل فلسطين بمجملها خط الدفاع الثاني، وتأتى سيناء كخط دفاع أخير، فمن يسيطر عليها فقد سيطر على العمق المصري، ومن ثَمَّ فإن مصر تكون في موقع دفاعي أفضل كلما واجهت عدوها خارج حدودها وقبل تمكّنه من سيناء.
وقد أثبت التاريخ صحة تلك الفرضية؛ فقد تكسّرت نصال المعتدين على صخور أرض الفيروز، أما من عبروها إلى داخل الوادي فقد استغلّوا ضعف القائمين على البلاد وتفريطهم في حراسة تلك البوابة الرئيسية، والتي وُصفت بأنها: (مهبط الرسالات، وطريق الأنبياء، وممر الفاتحين، وهى وثاق العالم الإسلامي، قديمًا وحديثًا، ورمانة ميزانه، وقد صارت يمًّا معوّقًا للأعداء، ودرعًا لمصر وما وراءها، والمفرط فيها –كما أفتى العلماء- بائع لدينه، خائن لوطنه، قد تناسى أن دماء آبائنا على تلك البقعة المباركة لا زالت تنادى بالقصاص ممن أسالوها).
وإذا كانت مصر قد ردّت التتار والصليبيين عن التهام باقي الأمة، فقد صار عليها عبء ردّ الصهاينة الذين يحلمون بدولة كبرى تشمل -في معتقدهم الفاسد-: الأردن، ولبنان، وسورية، والعراق، وجنوب تركيا، ومصر (حتى الفرع الغربي من نهر النيل)، وشمال السعودية (حتى المدينة المنورة)..
وقد أشار الشيخ «أحمد ياسين» إلى هذا الدور المصري المهم بقوله: (نحن بوابةُ أرض الكنانة، والتي جُنْدُها خيرُ أجناد الأرض، فيوم أن اجتاح التتار ديار المسلمين وهدموا الخلافة وخرّبوا المكتبات ودمّروا كل معالم الحضارة، انطلق السلطان «قطز» وقائده «الظاهر بيبرس» على رأس خير أجناد الأرض لملاقاة التتار على أرض فلسطين، وكان شعار المعركة «واإسلاماه»، فالتقى المسلمون التتار في موقعة «عين جالوت»، وارتدوا على أدبارهم خاسرين، فمصرُ مفتاح الحرب ومفتاح السلام).
من أجل ذلك، كانت «سيناء» -ولا تزال- مطمعًا للصهاينة، خصوصًا أن لهم فيها ذكريات، إضافة إلى أطماعهم في ثرواتها الهائلة، وقد استطاعوا نزع سلاح المصريين منها وسيطرتهم عليها إثر اتفاقيات السلام المذلّة، وزرعوا فيها العشرات من شبكات التجسس التي ترصد كل شيء في مصر، تحت غطاء السياحة والتعاون الأمني وغيرهما، فَفَقَدْنا -من ثَمَّ- السيطرة عليها حتى باتت تشهد حالة من الانهيار الأمني، مرتعًا للعبث الخارجي، فضلًا عن التهميش الواضح -وربما المتعمّد- من جانب الأنظمة المتعاقبة..
وهذا الوضع مكّن الصهاينة من تفريغ شبه الجزيرة التي تعدّ عمقًا إستراتيجيًّا مهمًّا بالنسبة لهم؛ وصولًا إلى تنفيذ مخططاتهم في الوقت المناسب، وليس قبل القضاء على المقاومة في فلسطين، وإخضاع أهلها جميعًا –لا سمح الله- من البحر إلى النهر.
ماذا تعنى فلسطين لمصر؟ وماذا تعنى مصر لفلسطين؟ ولماذا يصرُّ شعبُ مصر ومصلحوها على دعم إخوانهم في الأرض المباركة؟ وما هي صورة مصر والمصريين في ذاكرة ووعى الفلسطينيين؟ مصر وفلسطين تعنى: وحدة الأرض والدين والجنس والتاريخ والثقافة والعُرف والعادة وأمور أخرى كثيرة.. أما مصر فهي الأخت الكبرى لفلسطين، والملجأ والمحضن، والمنجى والمآب، ولَكَمْ أنجدتْ أهلها في النوائب والملمَّات، وكانت درعها الحصين في الحروب والنكبات..
ولا زال أهل فلسطين يقدِّرون هذا الدور وتلك المرتبة إلى يومنا هذا حتى صرخت المرأة الفلسطينية منذرةً اليهود: سيأتيكم إخوتنا المصريون وهم مائة مليون يفعلون بكم كذا وكذا.. وأمّا فلسطين بالنسبة لمصر فهي بوابتُها الشرقية، وحارستُها من تلك الجهة، ومفتاحُها إلى الشام وباقي العالم الآسيوي المترامي، وإذا ذُكر الأمن القومي المصري ذُكرت فلسطين.