مقالات

عامر شماخ يكتب: «الڨيتـو».. جريمةٌ في حقِّ الشعوبِ المستضعفةِ [2/ 2]

لم يكن للكيان اليهودي أن يُوجد من الأساس لولا دعم الإنجليز له منذ مطلع القرن العشرين وتعزيزه للاستيطان ودعمه لمنظمات الإرهاب الصهيونية، وما كان له الاستمرار إلى الآن لولا الحماية الشاملة من جانب الولايات المتحدة.. لقد أحاطته الحكومات الأمريكية المتعاقبة، جمهوريين وديمقراطيين، بالرعاية التامّة وذلك تحت ضغط وتأثير اللوبي اليهودي، حتى اعتبروا «إسرائيل» ولاية أمريكية، ولحرصهم أيضًا على وجودها لتنفيذ مخططاتهم وإحكام سيطرتهم على المنطقة، حتى قال الرئيس الأمريكي «جو بايدن»: (لو لم تكن هناك «إسرائيل» لكان على أمريكا خلق «إسرائيل» لحماية مصالحها)..

لا تنظر أمريكا إذًا لحقيقة الصراع العربي الإسرائيلي، ولا إلى حقوق الشعب الفلسطيني الذي خسر أرضه وبات غير آمن يعاني الفقر والتهجير والحروب والتدمير، إنما ينظر فقط إلى ضمان وجود وطن يهودي آمن للصهاينة ولو أتى ذلك على كل أرواح ومقدّرات الفلسطينيين؛ لذا كان استخدامها لـ«الڨيتو» بشكل آلي، ولو لم تحتج مشاريع القرارات إلى «حق النقض»، مقرّةً بذلك بالانتهاكات اليومية لـ«جيش الاحتلال الصهيوني» ولأجهزة «إسرائيل» الأمنية المتغطرسة.

قدّم «حق الڨيتو» أكبر دعم سيأسى للكيان الصهيوني؛ بإفشال صدور أي قرار من «مجلس الأمن» يلزم «إسرائيل» بوقف أعمال العنف ضد الفلسطينيين، ووقف عملية الاستيطان الممنهجة واحتلال ما تبقى من أراضٍ عربية، وفى حين لم تستخدم «روسيا» و«الصين» هذا الحق ضد مصالح الفلسطينيين سوى مرتين اثنتين، جاء «الڨيتو الأمريكي» دومًا لمنع أي قرارات تنتقد «إسرائيل» أو تدعو لإقامة دولة فلسطينية..

 لقد وقفت واشنطن في وجه قرارات تطالب «إسرائيل» بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام سبعة وستين، ووقفت عام ستة وسبعين ضد مشروعي قرارين كانا يطالبان بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ورفضت إدانة «إسرائيل» بسبب حرقها «المسجد الأقصى»، أو اغتيال الشيخ «أحمد ياسين»، مؤسس حركة «حماس» عام ألفين وأربعة، وأفشلت عام ألفين وأحد عشر مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي رغم موافقة أربعة عشر عضوًا عليه..

 وعارضت «أمريكا» في ديسمبر عام ألفين وأربعة عشر مشروع قرار عربي يدعو إلى إعلان الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال عامين، وأفشلت مشروع قرار مصري برفض إعلان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» القدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل السفارة الإسرائيلية إليها، وقد حاز المشروع المصري على تأييد أربع عشرة دولة من أصل خمس عشرة هم أعضاء «مجلس الأمن الدولي».

إزاء هذه الديكتاتورية الأممية؛ طالب نخبٌ وحقوقيون ورؤساء دول وحكومات بإصلاح هيكلي لـ«هيئة الأمم المتحدة» و«مجلس الأمن»، وتعديل الإجراءات المتعلقة بـ«حق الڨيتو» لتتناسب مع مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان الصادرة عن المنظمة الأممية نفسها، ولتتماشى مع قيم الديمقراطية الغربية واحترام اختيارات الدول والمؤسسات، وقد علت هذه الأصوات بعد «الڨيتو الأمريكي» الذي أفشل عملية وقف القتال في غزّة ومثَّل صدمة للحكومات والشعوب على السواء..

 لقد بات من غير المنطقي الإصغاء إلى مبررات الدول الخمس الكبرى في تمسّكها بهذا الحق، الذى يسبب الأذى للبشرية، وكونه أداة لإبقاء الساحة العالمية محفوفة بالحروب لصالح خمس دول فقط من بين نحو مائتين، ولافتقاده النزاهة والموضوعية التي تتطلبهما المحافل الدولية والعلاقات المتشابكة بين الأنظمة السياسية، وهو ما قوّض سمعة «الأمم المتحدة» وحَالَ دون تمكُّنها من حلِّ كثير من النزاعات الدولية، وأعجزها أمام سفك دماء المدنيين الأبرياء، وعدم قدرتها على إنهاء حرب واحدة إلا بأوامر هؤلاء الخمس الذين يضعونها دائمًا في طريق مسدود..

 بل إن «الأمم المتحدة» تُغلُّ يدها تمامًا وتبقى متفرجة في حَالِ كانت إحدى الدول الخمس طرفًا في نزاع، أو في حال طالبت دولة أخرى بتعليقها أو طردها من الهيئة؛ إذ في كل الأحوال لا بد من الرجوع إلى «مجلس الأمن» الذي اغتصبته -في الواقع- هذه الدول الخمس منذ تأسيسه. من ثم يحتاج العالم -مجْتَمِعًا- إلى انتفاضة لكسر احتكار الدول الخمس لـ«مجلس الأمن»، بل لـ«هيئة الأمم المتحدة» برمتها، بعد تجربته المريرة التي دامت ثلاثة أرباع القرن اكتوى خلالها العالم بعشرات الحروب والمآسي الإنسانية.. فهل يتحد العالم في مواجهة غطرسة الدول الخمس وكبح سيطرتها واستبدادها برأيها؟ أم يبقى الحال على ما هو عليه ويهلك الأبرياء لأجل مغانم أمريكا وأخواتها؟ هذا ما سوف تنبئنا به الأيامُ المقبلةُ.

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى