مقالات

عامر شماخ يكتب: تعطُّل الزواجِ وتفشّي الطَّلاق.. كارثتانِ تُداهمَانِ الْمَصريين

جُعلَ الزواجُ للمحافظة على الحياة وامتدادها حتى قيام الساعة، ومن هنا كان رفض شريعتنا الغراء للرهبانية؛ إذ إنها تقطع حبل الحياة، وتفني الجنس البشري. وما شرع الله تعالى الزواج للناس وجعله سنة الأنبياء والمرسلين إلا لصالهحم، ولعلمه -جل وعلا- أن فيه سعادتهم؛ فبه بقاء النسل، وقضاء الوطر، وتحصين الفرج، وغضّ البصر، وحماية العرض فضلًا عن فوائده النفسية والاجتماعية التي لا تُحصَى. إن المجتمع الذي يكثر فيه الزواج مجتمع صحي، بريء من المنغِّصات؛ إذ الزواج جدار واق من المؤثرات النفسية، وبه يتحقق التعاون والتساند بين النوعين، وبه يقوى المجتمع من خلال علاقات النسب والمصاهرة.

ولقد تقلَّصت أعداد المصريين المتزوجين منذ وقوع الانقلاب الدموي في يوليو 2013، وتراجعت عقود الزواج عامًا بعد آخر، وندرت مواكب «العِرسان» المبهجة؛ مما زاد نسب العنوسة بين الجنسين حتى تخطت، حسب إحصائياتهم الرسمية، الـ(14) مليون شاب وفتاة ممن بلغوا ثلاثين سنة في الإناث وخمسًا وثلاثين سنة في الذكور ولم يتزوجوا، بنسبة (40%) في الحضر، و(28%) في البدو والريف، وهذه كارثة اجتماعية بكل ما تعنيه كلمة كارثة.

والوضع هكذا فالمتوقع -لا سمح الله:

– تفشي العلاقات غير الشرعية بقوة الدافع الجنسي، وشيوع الفاحشة وما يستتبعها من تفسّخات اجتماعية.

– انتشار الأمراض العصبية والعقد النفسية كالاضطراب والقلق والحطام النفسي؛ لانعدام الاستقرار وافتقاد شريك الحياة.

 – لجوء الشباب إلى بدائل خطرة لإشباع جوعهم الجنسي كالشذوذ والاغتصاب، وما يستتبع تلك البدائل من جرائم وجنايات.

– ظهور أشكال عجيبة لعقود الزواج بغرض تقنين الزنى وإقامة علاقة محرّمة بمسمى شرعي.

– وبتعطل مشاريع الزواج تتعطل بقدرٍ مساوٍ مشاريع التنمية والإسكان

حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التي توقفت عند العام 2021، سجلت عقود الزواج زيادة قدرها (2.7%) عام 2012، في حين سجلت تراجعًا قدره (1.4%) عام 2013، عام وقوع الانقلاب. وظل هذا التراجع مستمرًّا طوال السنوات العشر الماضية؛ ففي حين سجلت (912/ ألف) عقد في عام (2017) تراجعت في عام 2018 إلى (887/ ألف) عقد؛ لتنخفض في آخر إحصاء (2021) إلى (880 ألف) عقد، أي بنحو (32 ألف) عقد، في ظل زيادة سكانية بلغت (17%) من إجمالي السكان، كان المفترض أن تزيد معها بالتبعية عقود الزواج. 

أما أسباب هذا التراجع الكبير في عقود الزواج؛ فالسبب الرئيس هو الفشل الحكومي والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تسببت في ارتفاع معدلات الفقر، وتراجع القدرة الشرائية للعملة المحلية وانهيارها أمام العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة الأجور، والبطالة وعدم إيجاد فرصة عمل مستقرة.. إذ كيف لشابٍّ مصريّ الآن أن يمتلك شقة، بل أن يستأجرها؟! وإذا فعل ذلك كيف يعيش بباقي دخله الذي تستنفده الفواتير الشهرية وأجرة المواصلات؟ وماذا لو رُزق بطفل؟ وماذا لو كان يعول أمه أو أباه؟ وماذا وماذا؟ ونحن هنا لم نتحدث عن ملابس وعلاج وتعليم ومجاملات وصلة أرحام وغيرها.

أما بالنسبة للطلاق فوفقًا للتقرير العالمي للسكان لعام (2022)؛ احتلت مصر المرتبة العشرين في معدلات الطلاق حول العالم، حالتا طلاق كل دقيقة واحدة؛ متخطية في سنواتها العشر الأخيرة، عشرات البلدان الأخرى. بلغ عدد حالات الطلاق في عام 2012 (155.2 ألف) حالة بمعدل طلاق (1.9) حالة لكل ألف من السكان، زادت في عام 2013 إلى (162.5 ألف) حالة، وقفزت الزيادة في السنوات الأخيرة إلى معدلات مخيفة، بلغت في إحصائية عام 2021، وهي آخر إحصائية رسمية، (254 ألف) حالة، مسجلة ارتفاعًا بلغ (14.7%) مقارنة بعام 2020 الذي سجل (222 ألف حالة)، وهو ما يزيد بشكل كبير على الزيادة في معدلات السكان التي تسجل تراجعًا عامًا بعد آخر منذ وقوع الانقلاب.

من المؤكد أن الفساد المستشري والفشل في إدارة البلاد اللذين خلّفا انهيارًا اقتصاديًّا جعل مصر على حد إعلان الإفلاس، يمثلان سببًا رئيسًا في تعطل مشاريع الزواج وتفشي الطلاق، إلا أن قرارات وتصريحات عديدة للانقلابيين تؤكد أن هناك خطة لهدم نظام الأسرة، وإجبار الشباب على الانصراف عنها؛ لحاجة في نفس النظام؛ قد تكون خاصة بتنفيذ أجندات دولية لتقليل زيادة السكان ضمن خطة أممية قديمة حديثة، أو قد يكون الأمر متعلقًا بتكريس نظام عسكري علماني متحرر من أية أعراف أو التزامات دينية أو أخلاقية، وكلا الأمرين يؤكدهما واقع النظام، وما يصدر عن إعلامه ومسئوليه.

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى