الأحد يوليو 7, 2024
مقالات

عامر شماخ يكتب: ذكرى ثورات «الربيع الأوربي»

مشاركة:

في مثل هذه الأيام من عام 1848 اجتاحت ثورةٌ كبرى عددًا من دول وممالك أوربا أُطلق عليها «ربيع الأمل» أو «ثورات الديمقراطية».. كانت البداية من فرنسا؛ حيث أنهى الثوار حكم الملكية الدستورية للملك (لويس فيليب) الذي فرّ هاربًا إلى بريطانيا، وقادت لإنشاء الجمهورية الفرنسية الثانية التي ترأسها (لويس نابليون)، وقد أثار انطلاقها من فرنسا، صاحبة التاريخ الثوري المجيد، ذعر حكام وملوك أوربا الذين استنفروا جيوشهم لمواجهة أي مدٍّ ثوري، غير أن ذلك لم يمنع انتقالها إلى معظم دول القارة بشكل عفوي وسريع ومن دون تنسيق، وإن كانت الأهداف واحدة.

تمددت الثورة حتى عمّت المظاهرات والاحتجاجات أرجاء أوربا، والتي تجاوب معها بعضُ الحكام وقمعها البعضُ الآخر؛ ففي حين قام الملك (فيليم الثاني)، ملك هولندا، بتغيير الدستور وإصلاح نظام الانتخابات والحدِّ من السلطة الملكية، سحقتْ الجيوشُ النمساوية والروسية ثورة المجر، التي تعد أطول هذه الثورات؛ حيث انطلقت في مارس 1848 وقُمعت في أغسطس 1849 بعد نفى الثوار وإعدام عدد منهم، وكما حدث في السويد حيث تدخل الجيش فأوقع (18) قتيلًا من المتظاهرين في يومي 18 و19 من مارس عام 1848.

توفرت عدة عوامل أشعلت هذه الثورات، أهمها: الشعور العام بعدم الرضا عن القيادة السياسية، انتشار الفقر والنقص الحاد في المحاصيل الزراعية ما تسبب في مجاعات أشهرها (مجاعة أيرلندا الكبرى، أو مجاعة البطاطس، ما بين عامي 1845 و1852 والتي راح ضحيتها مليون مواطن، وتهجير مثلهم)، الفجوة الهائلة بين ملاك الأراضي والفلاحين، إضافة إلى ظهور الصحافة الشعبية التي غزّت النزعة القومية وزادت الوعي خصوصًا لدى الطبقة العاملة في المصانع والفلاحين في المزارع.

طالبت هذه الثورات بـ: إلغاء الملكية المطلقة، إزالة الإقطاع، تحسين أوضاع العمال والفلاحين، تكوين دول وطنية مستقلة قائمة على قواعد الديمقراطية، مزيد من الحرية والإصلاح السياسي، وإنشاء برلمانات لضمان زيادة نسبة المشاركة في صنع القرار.

وقد حقق كثيرٌ من هذه الثورات مطالبَها وأخفق البعضُ؛ ففي الدنمارك مثلًا قادت إلى وضع دستور جديد وتشكيل حكومة من بين الثوار بعد زحفهم إلى القصر الملكي في يوم 21 من مارس عام 1848، وحتى في المجر التي أُجهضت ثورتُها متأخرًا كانت ضغوط الثوار قد حققت مطالبهم الأربعة عشر ومنها: تحرير الأقنان، إفساح حرية الصحافة والحريات المدنية والدينية، إنشاء بنك وطني، إنشاء جيش مجرى، تحرير السجناء السياسيين.

ومثلما حدث في ثورات الربيع العربي؛ واجهت ثورات الربيع الأوربي ما عُرف بـ(الثورة المضادة) التي موّلها ودعّمها كبار الملاك وبدأت في شهر يونيو من عام 1848 لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. قام الملاك، وكان بينهم تنسيق كبير، باستغلال الصحافة في إثارة عواطف الجماهير والتهديد بالفوضى وعدم الاستقرار في حال استمرار الثورة، وعمدوا إلى إعطاء العمال والفلاحين قليلًا من الحريات والحقوق ليشقُّوا بذلك صفَّ الثوار، وحتى في الدول التي أُنشئت بها برلمانات فإنهم اشتروا أصوات البسطاء والعاملين لديهم، فضمنوا بذلك عدم وصول المحتجين إلى مراكز اتخاذ القرار.

لكن على المستوى العام نجحت هذه الثورات في: إلغاء القنانة في القارة (وهي أحد أشكال العبودية المتطورة عن الرق الكامل؛ حيث يُجبر القنُّ على العمل لدى المالك في مقابل حمايته).. وأحدثت هذه الثورات تغييرات اجتماعية وسياسية مهمة؛ فقضت على الإقطاع في النمسا وبروسيا، وألغت الملكية المطلقة في الدنمارك، وأدخلت الديمقراطية البرلمانية في هولندا، وتطورات أخرى كثيرة.. وجرى تحسُّنٌ واضحٌ في الأوضاع الاجتماعية للعمال والفلاحين.. والأهمُّ أنها ألهمت دولًا أخرى من خارج القارة للانتفاض والثورة على الأوضاع البائسة مثلما حدث في شيلي (عام 1851) حتى قيل إن (50) بلدًا حول العالم تأثرت بهذه الثورات.

Please follow and like us:
عامر شماخ
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب