عامر شماخ يكتب: عام على «طوفان الأقصى» [1]
اتسم الموقف العربي الرسمي من الحرب على «غزة»، ومنذ بداية العدوان، بالصمت والخذلان المهين؛ ما أعطى الصهاينة الفرصة لاستباحة دماء الفلسطينيين؛ لقناعتهم بعدم وجود رد فعل عربي يتناسب مع تلك المأساة الإنسانية التي يتعرّض لها شعبٌ عربي أعزل..
لقد نجحت «أمريكا» في خلق وصناعة أنظمة عربية وظيفية جبانة، مرتعشة، لديها قناعة زائفة بأن «أمريكا» لا تُغلب، كما جيش الصهاينة لا يُقهر، وهم في الأساس زعامات خاوية من الإيمان، منفصلة عن الدين، قد ماتت ضمائرهم ومشاعرهم، فهم من «أمريكا» في خوفٍ شديد، سمّاعون لتعليماتها، يحالفون من حالفها، ويعادون من عاداها.
فشلت هذه الأنظمة في وقف المجازر، وفي كسر الحصار، وأقصى ما فعلوه هو عقد قمم ومؤتمرات صورية، لا تفضي إلى شيء ذي بال، وفي ختامها يدبّجون خطابات الشجب والاستنكار لما يفعله العدو في أبناء «غزة» و«الضفة»، ويلتمسون من العالم التدخل لوقف المجازر وإدخال المساعدات، وكأن العالم هم الأقرب أرضًا ودمًا ودينًا منهم.
حتى القرارات السلبية لم تجرؤ هذه الأنظمة الجبانة على اتخاذها، فالتي رفعت دعوى إبادة ضد اليهود ليست دولة عربية، والذين انضموا إليها ليسوا عربًا، والذين سحبوا السفراء من «تل أبيب» وطردوا السفراء من عواصمهم ليسوا عربًا.
وفضحت حرب «غزة» أدوار الجيوش العربية، خصوصًا في دول الطوْق؛ إذ رغم القصف والحرق وعمليات الإبادة الجماعية في القطاع، لم يتحرك جيشٌ واحدٌ منها لمنع هذه النكبة التي حلّت بجيران أقارب وإخوة في الدين، في حين استأسد بعضها على مواطنيه فقتل منهم الآلاف.
وإذا كانت هذه الجيوش هي ملك خالص لشعوبها، فإنها –للأسف- تأتمر بأوامر الغرب وتحمي المصالح الصهيوأمريكية في المنطقة، فقوات «البحرين» اشتركت في عملية «حارس الأزهار» لحماية سفن الصهاينة من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، و«الأردن» و«العراق» قامتا بالتصدّي لصواريخ ومسيِّرات «إيران» ضد الكيان، وما خفي كان أعظم.
ولا تزال الحكومات العربية التي سبق لها التطبيع مع الصهاينة تدور في فلك العار والشنار، مقيَّدةً باتفاقيات التطبيع المحرّمة، ولأنها أنظمة غير شرعية فإنها تفتقد الظهير الشعبي الذي يعطيها القدرة على الوقوف في وجه أمريكا والصهاينة..
كشف تقرير صادر عن مكتب «الإحصاء المركزي الإسرائيلي» حول حجم التجارة الخارجية لدولة الاحتلال خلال النصف الأول من عام أربعة وعشرين، عن مضاعفة خمس دول عربية هي: (الإمارات، ومصر، والأردن، والمغرب، والبحرين) حجم تجارتها مع «تل أبيب»، استيرادًا وتصديرًا، منذ بداية حرب غزة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي؛ تعويضًا لها عن نقص الإمدادات وإغلاق الموانئ بعد هجمات الحوثيين.
وبما أن الإعلام هو الواجهة ولسان الحال؛ فقد وقف الإعلام الرسمي العربي موقف الأنظمة والحكومات حيال الحرب على «غزة»، وهو الموقف المتخاذل الخَنوع، أو ما أسماه البعض «إعلام التطبيع»، في مواجهة «الإعلام المقاوم».. تبنى هذا الإعلام الاستسلامي في بداية الحرب السردية الإسرائيلية، حتى إذا ازداد الغضب الشعبي في النقمة عليه تراجع عن مهاجمة المقاومة، وبدا بمظهر الإعلام المهني المحايد، وهو في الحقيقة يميل حيث مال الصهاينة، ويرجّح روايتهم، ويغمز ويلمز ويشكك فيما يأتيه من الطرف الآخر، بل يحرّض ضد الشعب الفلسطيني.
في حوار له مع قناة «الجزيرة»، أكد «موسى أبو مرزوق»، القيادي في حركة «حماس»، أن قيادات عربية طالبت الغرب بتدمير «حماس»، مبينًا أنّ (قادةً عربًا قالوا ذلك للدول الغربية، هذا فضلَا عن وصول قذائف تُقصف بها المقاومة تنطلق من بلاد عربية).. وأيّد هذا التصريح تصريحٌ مثله ورد على لسان «دينيس روس»، الدبلوماسي الأمريكي الأسبق، أكد فيه أن أغلبية قادة العرب الذين التقاهم يرغبون في تدمير «حماس»، رغم أن مواقفهم المعلنة بخلاف ذلك.
لقد أيقن الصهاينة منذ زمن أن بقاءهم مرهون بوجود ديكتاتوريات عربية تكفُّ أيدي شعوبها عن المساس بأمن «إسرائيل»، التي انفردت بالفلسطينيين، مطمئنة إلى أن شعوبنا مكبّلة بالحديد والنار، وأن الطريق إلى «غـزة» أو «القدس» لن يمر -في وجود هؤلاء الطغاة- عبر عاصمة عربية.. وهو ما كشفته حرب «طوفان الأقصى».