عامر شماخ يكتب: عام على «طوفان الأقصى» [2]
أثبتت حرب «طوفان الأقصى» أن العالم الغربي وقواه الكبرى منافقٌ بيِّن النفاق، ساقطٌ أخلاقيًّا، وقد كشفت زيفه وخداعه بإصراره على تسويق جرائم العدو الصهيوني عبر تقديم صورة مشوهة للحقيقة، مغايرة لما يجري على أرض فلسطين.
ومن ناحية أخرى كشفت شعوب الغرب، التي خرج قطاع منها منتفضًا ضد ما يحدث في «غزة» عن فساد ضمائر مسئولي أنظمتهم السياسية، ونخبهم، ومؤسساتهم الرسمية، وعن زيف ما يرفعونه من شعارات، وما يدّعونه من حرص على حقوق الإنسان؛ فما وقع في «غزة» يؤكد أنهم ليسوا فقط منحازين للصهاينة، مخدوعين بروايتهم، بل شركاء في جرائمهم، عنصريين لأقصى درجات العنصرية، لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بمسمى الإنسانية والأخلاق.
لقد بدأت «أمريكا» بإرسال سفن وطائرات حربية إلى المنطقة بعد ساعات معدودة من نشوب الحرب، وبينما كانت «إسرائيل» تستعد لشن هجومها البري على القطاع قامت إدارة «بايدن» بإعلان التزامها الكامل بأمن «إسرائيل»، وأعدوا حزمة مساعدات للكيان تزيد على ملياري دولار، وأرسلوا في الفترة ذاتها حاملتي طائرات إلى المنطقة تحسبًا لتدخل «إيران» و«حزب الله» وتوسُّعِ نطاق الحرب.
وفي الثامن عشر من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين سافر «بايدن» إلى «إسرائيل»، في رحلة تضامن استغرقت ثماني ساعات، وهناك أعلن عن نفسه كـ«صهيوني»، ووضعت «أمريكا» بعدها ألفي جندي في المنطقة في حالة تأهب قصوى، وكثّفت من إرسال شحنات الأسلحة والمعدات وأنظمة الدفاع الجوي إلى الكيان، بما فيها قنابل خارقة للتحصينات وأخرى ذات قدرات تدميرية هائلة استُخدمت في تدمير المجمعات السكنية في القطاع فيما بعدُ، وخصص نحو خمسة عشر مليار دولار كمساعدات عسكرية لـ «إسرائيل».
وهُرعت أيضًا زعامات الأنظمة الأوربية إلى «تل أبيب»؛ للمواساة وتقديم الدعم، فزارها المستشار الألماني «أولاف شولتس»، ورئيس الوزراء البريطاني «ريشي سوناك»، ورئيسة وزراء إيطاليا «جورجيا ميلوني»، والرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» وغيرهم، والذين دعوا إلى حشد «تحالف دولي» ضد «حماس» على غرار التحالف ضد «داعش» في سوريا والعراق.
وشرعت هذه الدول في تقديم الدعم العسكري واللوجيستي للكيان؛ فأرسلت «بريطانيا» سفينتين حربيتين وطائرات هليكوبتر ومراقبة، غير أطنان الأسلحة والذخائر، وضاعفت «ألمانيا» عقود الأسلحة والمعدات العسكرية مع «إسرائيل» بنحو ست مرات، ورفض المسئولون الألمان فكرة وقف الحرب قبل القضاء على «حماس»، بل أعلنت «ألمانيا» انضمامها إلى «إسرائيل» في القضية التي رفعتها «جنوب أفريقيا» ضدها.
وقد ساء قادة هذه الدول انتفاضات شعوبهم ضد الحرب الظالمة؛ فاعتبرت «فرنسا» انتقاد «الصهيونية» وإثارة الكراهية ضد «إسرائيل» جريمة جنائية، كما خالف هؤلاء الساسة دساتير بلادهم التي تنصُّ على حرية التعبير؛ فحرّضت وزيرة الداخلية البريطانية «سويلا برافرمان» ضد المتظاهرين، ومنعت «ألمانيا» المظاهرات في «برلين»، وحظرت لبس «الكوفية الفلسطينية»، وفي سائر هذه البلاد يتم الاعتداء على المتظاهرين المناهضين للحرب، بل اعتقال كل من يهتف باسم «فلسطين».
ومنذ أول لحظة في الحرب؛ اصطف الإعلام الغربي –بإمكاناته وقدراته الهائلة- بجانب الصهاينة، متبنيًا روايتهم، مؤكدًا على حقهم في «الدفاع عن النفس»، ولم يكن ليتم ذلك إلا بترويج الأكاذيب والادعاءات، مثل ذبح «حماس» للأطفال واغتصاب النساء يوم السابع من أكتوبر، وقصف «الجهاد الإسلامي» لمستشفى «المعمداني» وغيرها.
ولم تكتفِ المنظومة الإعلامية الغربية بتبني الرواية الصهيونية على طول الخط، بل عمدت إلى إسكات الأصوات المناهضة؛ فَفُصِل صحفيون من جرائد ومجلات ومحطات مرموقة تحدثوا عن جرائم الحرب في «غزة»، وطُرد رسامو كاريكاتير لمجرد انتقادهم «نتنياهو»، وأصبح الاتهام بمعاداة السامية هو السلاح الإعلامي الغربي لإدانة من يدعمون حقوق الشعب الفلسطيني.