عامر شماخ يكتب: عام على «طوفان الأقصى» [6]
على مدى ثمانية عقود؛ صدرت عشراتُ القرارات عن «الجمعية العامة للأمم المتحدة» وعن «مجلس الأمن الدولي» وتتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، ولم ينفّذ شيءٌ منها، أعاقها «الفيتو الأمريكي» أو الصمت الدولي أو التواطؤ الأممي، حتى باتت استهانة «إسرائيل» بما يُعرف بـ«قرارات الشرعية الدولية» أمرًا معتادًا؛ ما وفّر لها غطاء ودعمًا لانتهاك القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان.
والحربُ على «غزّة» وإبادة أهلها أواخر عام ثلاثة وعشرين أوضحُ دليل على هذه الاستهانة، وعلى الدعم الأعمى والتأييد المطلق لهذا العدوان، وكما قيل فإن (كل القرارات الشرعية الدولية الصادرة ضد السياسات الإسرائيلية إنما صدرت كيلا تُطبّق).
لم تكن حرب السابع من أكتوبر على «غزة» وما شهدته من جرائم حرب، سوى نموذج صارخ لإرهاب دولة الكيان الصهيوني، وهذا الإرهاب مستند إلى شراكة أمريكية ودعم غربي بلا حدود، من ثم؛ نحن أمام نظام دولي يتسم بالانتقائية الفجّة إزاء تطبيق قواعد وأُطر الشرعية الدولية، فلا يوجد بندٌ في «ميثاق الأمم المتحدة» إلا وانتهكته «إسرائيل»، بدءًا من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالتسوية السلمية للنزاعات، وانتهاء باتفاقية حقوق الطفل.
وفي حين انتفضت شعوب العالم ضد ما يحدث في «غـ.زة» من إبادة وفشلت الأجهزة الأممية في فرض هدنة إنسانية بهدف إدخال مساعدات للقطاع الذي تضربه المجاعة والكوارث الصحية –كانت سلطات الاحتلال تواصل تعميق خطط الفصل العنصري في الضفة الغربية بما فيها «القدس الشرقية»، وسرقة الأراضي، وشق المزيد من الطرق الاستعمارية بداخلها، غير تشديد قبضتها على الفلسطينيين، وفرض المزيد من العقوبات الجماعية عليهم، والقيام بأبشع حملة تدمير للبنى التحتية ومقومات وجود الإنسان الفلسطيني، ما خلّف عشرات الشهداء ومئات الجرحى والمصابين، ناهيك عن هجمات المستوطنين التي لا تنقطع وتطال أرواح وممتلكات الفلسطينيين.
حطّم هذا الكيان كل الأرقام القياسية في انتهاك القرارات الأممية وحقوق الإنسان، من القتل العمدي والإبادة، والاسترقاق والتهجير، والفصل العنصري والإخفاء القسري، والإجهاز على الجرحى، وتعذيب الأسرى بدنيًّا ونفسيًّا وغيرها من الأساليب الوحشية.
في مرحلة مبكرة اتسمت مواقف «إسرائيل» تجاه «الشرعية الدولية» بالمراوغة والتسويف بما يخدم أهدافها وإسقاط أهداف الطرف الفلسطيني، فتنكّرت لتطبيق القرارات الأممية مستغلةً الموقف السلبي للأنظمة العربية، مثلما تنصّلت من حق عودة اللاجئين.
وفي مرحلة لاحقة وبعد انتصارها على الجيوش العربية عام سبعة وستين اتسمت مواقفها بالمماطلة، أو التجاهل واللامبالاة، فلم تطبق مثلًا القرار مائتين واثنين وأربعين الذي يطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في هذه الحرب، بل بالعكس قامت بضمِّ «القدس» واستولت على مزيد من الأراضي لتفرض واقعًا ديموجرافيًّا جديدًا.
ثم في مرحلة أخيرة باتت -وبدعم من «الفيتو الأمريكي» – لا تعترف بما يسمى «الشرعية الدولية» في حال كانت القرارات ضدها، بل استغلّتها لإلغاء قرارات صدرت لصالح الفلسطينيين مثل قرار مساواة الصهيونية بالتمييز العنصري عام واحد وتسعين.
و«إسرائيل» هي الدولة الوحيدة في العالم الآن التي لا تنصاع للقانون الدولي، رغم أنها ليست من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وليست من الدول التاريخية أو من مجموعة الكبار.. لقد صدرت العشرات من القرارات الأممية ضد هذه الدولة منذ عام تسعة وأربعين ولم تُنفّذ حتى الساعة، وهناك اتفاقيات وقّعت عليها أكثر من مائة وسبعين دولة ولم تمتثل لها.
بل إن بعض هذه القرارات أكدت عليها «الأمم المتحدة» مرارًا ثم تجاهلها اليهود؛ مثل «حق العودة» الذي ناقشته وأكدته «الأمم المتحدة» خمسًا وأربعين مرة، ومثل سبعة قرارات أصدرتها الهيئة الأممية وتتعلق بـ«القدس الشرقية» وصيانة معالمها وعدم المساس بتركيبتها الديموجرافية ولم تعرها «إسرائيل» كذلك أدنى اهتمام، ومثل القرارات الدولية الخاصة بالاستيطان وجدار الفصل العنصري، والقرارات التي تلت المذابح التي اقترفتها بحق الفلسطينيين، وغيرها من القرارات التي لم يأبه بها الصهاينة.
بل كثيرًا ما أبدى مسئولوهم احتقارَهم علنًا للقانون الدولي ولهيئة الأمم المتحدة، والأمر ليس متعلقًا بحكومة إسرائيلية دون أخرى، بل جميع حكوماتهم المتعاقبة متفقة على ازدراء المجتمع الدولي، وعدم الكفّ عن انتهاك مواثيق الشرعية الدولية، واثقين من عدم مساءلتهم على تلك الممارسات الإجرامية، ومن بينها جرائم حرب، وجرائم مرتكبة بحق الأطفال والنساء، وبحق الأسرى، وبعمليات اغتيال، وحصار وهدم منازل، ومحاولات دؤوب لتهويد المدينة المقدّسة.