عامر شماخ يكتب: لبنان.. ثمانيةُ عقودٍ في مواجهةِ الصهاينة [1/ 2]
لثمانية عقود تعرّض «لبنان» لاستهدافات من الصهاينة، ضمن إستراتيجيتهم التوسّعية، ولضمان استنزاف طاقات هذا البلد الذي يطوّق الأراضي المحتلة من جهة الشمال، وجعله بلدًا رخوًا أمام أي اجتياح لأراضيه.. شاركت «لبنان»، ضمن سبعة جيوش عربية، في حرب عام ثمانية وأربعين، ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في «فلسطين»، والتي اجتازت الحدود يوم التاسع والعشرين من أكتوبر عام ثمانية وأربعين ضمن عملية أطلق عليها اليهود اسم «حيرام»، احتلت خلالها خمس عشرة قرية، ارتكبت فيها عددًا من المجازر، أبشعها ما وقع في بلدة «حولا» الحدودية، والتي راح ضحيتها ثلاثةٌ وتسعون مواطنًا.
وعلى الرغم من توقيع «لبنان» اتفاقية هدنة في «رودس» مع الصهاينة في مارس عام تسعة وأربعين، فإنهم واصلوا اعتداءاتهم على قرى الجنوب اللبناني، بغزوها وقتل مواطنيها ودفعهم إلى النزوح، وفرض واقع جديد بتعزيز سيطرتها على المناطق الشمالية.. وتلت ذلك مواجهات بين الطرفين؛ ففي عام ستين وقع اشتباك بين الجيش اللبناني وجيش العدوّ، أسر اللبنانيون خلاله أربعة جنود صهاينة، جرى تسليمهم فيما بعد.. وفي أكتوبر عام خمسة وستين أغار طيران الصهاينة على منابع نهري «الحاصباني» و«الوزّاني» لتعطيل مشروع يقضي بتحويل مجاري الأنهار التي تصبُّ في بحيرة «طبريا».. وفي أكتوبر عام خمسة وستين أيضًا اجتازت قوات العدو الحدود مع «لبنان» ودخلت قراها، ونسفت منازل وخزّانات مياه عامة في قريتيْ «حولا» و«ميس الجبل».
وعلى الرغم من عدم مشاركة «لبنان» في حرب يونيو عام سبعة وستين فإنها لم تسلم من اعتداء الصهاينة، الذين اجتاحوا حينها «مزارع شبعا» وطردوا أهلها وفجّروا منازلهم.. وفي الثامن والعشرين من ديسمبر عام ثمانية وستين شنُّوا هجومًا مباغتًا على مطار «بيروت» الدولي؛ انتقامًا لعملية اختطاف طائرة صهيونية متجهة من «تل أبيب» إلى «روما» نفذتها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» قبل خمسة أشهر.. ففي مساء يوم الثامن والعشرين من ديسمبر عام ثمانية وستين، تسللت وحدة من قوات النخبة الإسرائيلية، قوامها ستون جنديًّا، إلى مطار «بيروت» بواسطة طائرات مروحية، فجَّروا في نحو أربعين دقيقة ثلاث عشرة طائرة مدنية تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط»، وكان من أعضاء هذه الفرقة مجرم الحرب «بنيامين نتنياهو».
وفي عام سبعين دخل جيش العدو إلى قرى عدة في «العرقوب» و«مرجعيون» و«بنت جبيل» تحت غطاء جوي ومدفعي ثقيل، ثم انسحب.. وأعاد الاجتياح مرة أخرى في مطلع عام واحد وسبعين، ثم في سبتمبر من عام اثنين وسبعين.. وفي كل مرة كان «مجلس الأمن الدولي» يصدر قرارًا بانسحاب الجيش الصهيوني من الأراضي اللبنانية، فإذا انسحب سرعان ما يعود إلى الاجتياح من جديد.
في الحادي عشر من مارس عام ثمانية وسبعين نفّذت مجموعة من المقاومة الفلسطينية العملية الفدائية المعروفة باسم «كمال عدوان»، والتي أسفرت عن قتل اثنين وثلاثين صهيونيًّا وجرح ثمانين آخرين.. وتحت ذريعة هذه العملية وبعد ثلاثة أيام من وقوعها، اجتاح نحو خمسة وعشرين ألف جندي إسرائيلي جنوب «لبنان»، مدعومين بغطاء جوي كثيف، في عملية أطلقوا عليها «عملية الليطاني»، وكان الهدف من العملية هو إنشاء حزام أمني بعمق خمسة عشر كيلو مترًا داخل الحدود اللبنانية؛ تمهيدًا للاستيلاء على نهر «الليطاني»؛ ولإبعاد الفصائل الفلسطينية المسلحة عن الحدود وتغيير الخريطة السكانية للمنطقة.
وقد تمركزت المقاومة الفلسطينية اللبنانية المشتركة في مواقع متفرقة على طول الحدود، وعرقلت تقدم العدوّ، وردّت عليه بقصف مستعمراته.. وأسفرت العملية التي استمرت لثمانية أيام عن مقتل ثمانية عشر جنديًّا إسرائيليًّا وإصابة مائة وثلاثة عشر آخرين، واستشهاد نحو ثلاثمائة مقاتل فلسطيني، كما استُشهد ألف ومائة مدني لبناني وأُصيب أكثر من ألفين، غير من نزحوا من منازلهم والذين قُدِّروا بنحو ربع مليون مواطن.. وتبع هذه العملية إنشاء ما عُرف بـ«الحزام الأمني»؛ حيث احتلَّ الصهاينة معظم الجزء الجنوبي من البلاد.
[يتبع].