مقالات

عامر شماخ يكتب: موجز تاريخ الانقلابات العسكرية العربية [1/ 3]

بعد رحيل المحتل الغربي عنها بدءًا من ثلاثينيات القرن الماضي، اُبتُليت منطقتنا العربية بظاهرة الانقلابات العسكرية سيئة السمعة؛ حيث تحتل المرتبة الثانية بعد أفريقيا السوداء في قائمة المناطق الأكثر شهودًا لهذه الكارثة، والأكثر تضررًا منها على المستويات كافة، ولا تزال دولٌ من عالمنا المنكوب، ونحن في الألفية الثالثة من القرن الحادي والعشرين، مسرحًا للظاهرة التي كادت تختفي من العالم، عُرضة لاغتصاب السلطة؛ إذ من بين عشرة انقلابات وقعت في العقد الأخير حول العالم وغيّرت المسار السياسي لبلدانها جاء منهم ثلاثةٌ عربًا؛ اثنان في السودان في عامي 2019، 2021، وواحد في مصر عام 2013.

من مجموع (22) دولة، هي أعضاء جامعة الدول العربية، وقعت انقلابات عسكرية على أيدي الجيوش في (15) دولة منها، بلغت (125) انقلابًا، نجح بعضها في الاستيلاء على السلطة وفشل العديد، واحتلت سوريا رأس القائمة بانقلابات ناجحة بلغت تسعة من بين (34) محاولة، تليها جزر القُمُر التي نجح فيها (4) انقلابات من بين (24) محاولة، ثم السودان التي تعرضت لـ(17) محاولة انقلابية نجح منها خمسة فقط، وأتت مصر والعراق وموريتانيا في المرتبة الثانية بست محاولات لكلٍّ منها، نجح بعضها وفشل الآخر.

وقع أول انقلاب عسكري عربي في المملكة العراقية الهاشمية، على حكومة الملك (غازي الأول) برئاسة ياسين الهاشمي، قاده ضابط من أصل كردى يدعى (بكر صدقي)، وذلك في يوم 26 من أكتوبر عام 1936. كانت البلاد قد شهدت الكثير من الأزمات والاضطرابات بلغت حدَّ العصيان المسلّح، خاصة في ظل وجود الكثير من الطوائف الدينية والقوميات المتعددة..

استولت قوات الجيش التي قادها (صدقي) بنفسه على بغداد في ظهر ذلك اليوم، ومن ثم توجه إلى القصر الملكي، وأطلق جنوده النار على وزير الدفاع (جعفر العسكري) الذي كان متواجدًا في القصر، وأُرغم الملك على تشكيل حكومة جديدة برئاسة (حكمت سليمان) تولى فيها قائد الانقلاب (بكر صدقي) منصب رئيس أركان الجيش، فأصبح الحاكم الفعلي للبلاد، لكنّ ذلك لم يدم طويلاً؛ إذ بعد أقل من عام، وتحديدًا في 18 من أغسطس عام 1937، تم اغتياله برفقة قائد القوات الجوية على يد عرّيف بالجيش، أطلق عليهما النار من مسدسه.. لينتهي بذلك أول انقلاب عربي.

لم يمر على انقلاب (بكر صدقي) سوى خمسة أعوام حتى وقع انقلاب آخر في العراق، في فبراير/ مارس من عام 1941، قاده (رشيد عالي الكيلاني)، بمعاونة الجيش، ونتج عنه إسقاط (عبد الإله بن علي)، الوصي على العرش، ورئيس الوزراء (نوري السعيد)، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة (الكيلاني).

وبعد هذا الانقلاب، الذي كان له أثر كبير على الساحتين العراقية والعربية، تتابعت الانقلابات في المنطقة وتمددت عدواها حتى لم يكد يمر عام أو اثنان حتى يقع انقلاب في بلد عربيّ، بل شهدت بعض البلاد أكثر من انقلاب في العام الواحد، مثلما حدث في سوريا التي جرى فيها ثلاثة انقلابات في عام (1949) وحده، ففي مارس انقلب (حسني الزعيم) فأطاح بالرئيس (شكري القوتلي)، وفي أغسطس أطاح (سامي الحناوي) بالرئيس (حسني الزعيم)، وفي ديسمبر أطاح (أديب الشيشكلي) بقائد الجيش (سامي الحناوي).

من بين عشرات الانقلابات العربية كان لبعضها التأثير الأكبر، والقدرة على إحداث تحوّل حاد في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادها، وتشكيل خطر على الديمقراطية والاستقرار، على رأسها انقلاب (بكر صدقي) في العراق عام 1936؛ فما من انقلاب وقع في عالمنا العربي إلا وعلى (صدقي) كفلٌ منه؛ ذلك بأنه أول من استنّ الانقلاب على الأنظمة والحكومات الشرعية..

 يليه في التأثير انقلاب العسكر في مصر في يوليو عام 1952؛ إذ أطاح هذا الانقلاب بكل القوانين والأعراف، وأشعل الصراعات المجتمعية، وكرّس الطغيان، وارتكب العديد من الخطايا والأكاذيب، وقد كان لمكانة مصر كقاطرة للعالم العربيّ وطموح قادة هذا الانقلاب، وهم من فئة الشباب، القدرة على التأثير في قادة جيوش العرب، التي تم بناؤها حديثًا، للسير على خُطاهم، فأدارت بذلك المجالس العسكرية العديد من البلدان، وحكمتها بالحديد والنار، وجعلت البندقية في مواجهة صناديق الاقتراع. [يتبع].

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى