عامر شماخ يكتب: مَنْ أطمعَ الكفارَ في المسلمين؟
أينما وجّهت وجهَك وجدت المسلمين مضطهدين، تُنتهك أعراضُهم، وتُنتقص كرامتُهم، ويُقتلون ويُشرّدون، وقد صدق فيهم قول القائل: (تحالفت الأفاعي والعقارب.. وأُجلبت الذئاب مع الثعالبْ؛ وأقبلت الوحوشُ لها نيوبٌ… مسممةً تعاضدها المخالبْ)؛ فإن الجميع تحالفوا عليهم فاستباحوا حماهم، ونزلوا بهم منزل الغالب على من لا حرفة له بقتال وليس له ناصر.
ولو عاش أحدُ السلف فعاين ما يُفعل بإخوانه المتأخرين لمات من الغيظ؛ فشتان بين حرمة الدم المسلم قديمًا وحرمته الآن، وشتان بين أمة عاشت عزيزة كريمة تهابها الأمم وتخشى لقاءها، وأمة عاجزة مهيضة تُقتطع أرضها، وتُنتقص حدودها، وتعيش في كل ساعة مأساة، قد أطمعت فيها القريب والبعيد، والقوى والضعيف، وعلاها الذل، وتفكك منها المتصل حتى نسيت كتاب ربها أو كادت.
لقد لفتت قضية انفراد أبناء القردة بإخواننا في فلسطين وهدم المنازل فوق رءوسهم -إلى حالنا البئيسة.. وقد آن الأوان لتوديع هذا البؤس، والاستمساك بحبل الله المتين، وصراطه المستقيم؛ فإنه السبيل إلى النجاة، ولا سبيل غيره، وما شقينا إلا بعدما تخلينا عنه. إننا بحاجة ماسّة إلى الإخلاص لدين الله، وهذا الإخلاص له أدواته ومسبباته، ثم له ثمراته التي ستكون خيرًا للأمة قبل أن تكون برًّا لصاحبها.
من الذي أطمع الكفار -والكفر ملة واحدة- فى المسلمين؟ أطمعهم حكامنا التابعون لهؤلاء الكفار، الذين يسارعون فيهم يقولون نخشى على عروشنا من «المسلمين!»، فتحالف هؤلاء مع أولئك للانتقام منهم، يحاربونهم فى الداخل والخارج، فلم يبق للمسلمين ناصر إلا الله.
طمع الكفار بالمسلمين لما غفلوا عن وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا: كتاب الله وسنتي»، أين نحن -كشعوب- منهما؟ دعك من الحكام؛ فإن هؤلاء -كما قلنا- ضمن فريق الحرب على المسلمين. وأطمع الكفار بنا لهوُنا، وتنازعُنا وسوءُ تقديرنا لمعنى الجهاد، الذي نصرفه -مباشرة- إلى حمل السلاح؛ وهذا خطأ- فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة؛ أي أن الإنفاق أيضًا جهاد، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»..
فإن لم يتيسر جهاد السلاح فجهاد المال؛ فإن لم يتيسر الاثنان فجهاد اللسان -وهو متاح الآن للجميع-؛ فلا أقل من الحديث عن اضطهاد المسلمين هنا وهناك -وما أكثره-، والتعريف بأحوال المضطهدين؛ فمن لم يفعل فلينتظر الخزي وسوء المآل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا فى موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته».
مطلوب منّا إعادة النظر في آيات: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [الأنبياء: 92]، (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، وألّا ندع الجهاد؛ فإنه الفريضة الماضية إلى يوم القيامة، لا يبطلها عدلُ عادلٍ ولا جورُ جائرٍ، وما تركه قوم إلا ذُلُّوا، وهو على درجات -كما ذكرنا- ومتاح للجميع.
ومطلوبٌ منا كذلك أن نعتمد -بعد الله- على أنفسنا في دفع الظلم ورد الطغيان، ولا تصغوا لأمم متحدة أو غير متحدة، ولا تنتظروا إنصافًا ممن صمتوا على إبادة المسلمين في البوسنة وفى بورما وغيرهما..
ومطلوبٌ أخيرًا التفاؤل بانتشار الإسلام وانتصار المسلمين؛ فإنهم لم يفعلوا ما يفعلون الآن إلا حقدًا وحسدًا؛ لأن الإسلام صار يضم أبناءهم مختارين إلى حظيرته ورحابه الطاهرة.