عامر شماخ يكتب: نكبة عام «67» وجرائم «عبد الناصر» [1]
تعدُّ هزيمة عام 1967 هي ثاني أكبر النكبات التي حلّت بالعرب المعاصرين بعد نكبة عام 48، والتي مكّنت لبقاء الكيان الصهيوني وتمدده، بل سيادته في المنطقة، وضياع هيبة الجيوش العربية أمامه. لم تكن ثمة أسباب لتلك الهزيمة المنكرة سوى تسلُّط الأنظمة السياسية على شعوبها وسعى قادتها إلى صناعة أمجاد شخصية بالوهم والخديعة، إضافة إلى فساد عقيدة الجيوش التي تبنّت ما يُعرف بـ«القومية العربية»، في مقابل تبني جيش العدو لعقيدة دينية تلمودية..
ولم يكن ينقص العرب في هذه الحرب عددٌ ولا عُدة بل كانت تنقصهم روح الجهاد والعقيدة القتالية والتلاحم الشعبي، كان لليهود جيش واحد قوامه (50 ألف) جندي، ولديه (300) طائرة قتالية و(800) دبابة، في مقابل أربعة جيوش عربية لمصر والأردن وسوريا والعراق، قوامها (547 ألف) جندي، ولديهم (957) طائرة قتالية و(5042) دبابة؛ ورغم ذلك كانت الهزيمة قاسية والأرقام مخزية.
انهزمت الجيوش العربية الأربعة أمام جيش إسرائيل، الذي جُمع أفراده من شتات الأرض، هزيمة تاريخية قلّما تتكرر، وبلغت خسائر الأرواح والخسائر المادية أرقامًا فادحة، غير تبعات الحرب ونتائجها الكارثية على واقع الأمة ومستقبل القضية الفلسطينية؛ ففي حين لم يخسر الصهاينة سوى (700) قتيل و(2000) جريح و( 15) أسيرًا وتدمير (400) دبابة و(46) طائرة، خسر العرب مجتمعين (25 ألف) قتيل وأُصيب ضعفهم، غير (6000) أسير، ودُمِّر (85%) من عتادهم الحربي، وفقدوا غزة وسيناء بكاملها والضفة الغربية والقدس والجولان، وتم تهجير معظم سكان مدن القناة في مصر، ومعظم سكان محافظة القنيطرة في سوريا، ومئات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة، بل مُحيتْ قرى فلسطينية بكاملها.
مهما ساق طائفةٌ من الكُتّاب الموالين للذين نكبونا بهذه الهزيمة من أسباب لنشوب الحرب –تبقى هذه الأسباب تلفيقًا منهم لتبرير تلك الهزيمة البشعة. أما الحقيقة فإن الفاعل الوحيد والمحرّك لهذه الحرب هم اليهود، الذين كانوا يخططون -ولا يزالون- للحفاظ على دولتهم اللقيطة، بل التوسع فيما حولها لتحقيق حلم إقامة دولتهم الكبرى من الفرات إلى النيل.
إذًا الحرب كان مقدرًا قيامها في أية لحظة وبدون أسباب، غير أن اليهود استغلوا أقصى لحظات ضعف العرب وانقضوا عليهم فغنموهم في ست ساعات، وجعلوا زعماءهم -الذين تضخمت ذواتهم وهددوا إسرائيل بإلقائها في البحر- أضحوكة للعالمين. أرادت إسرائيل بهذه الحرب استكمال ما حققته في عام 1948 بتأمين حدود دولتها والاستيلاء على أجزاء محدودة من أراضي دول الطوق، فإذا بها تُفاجأ بأنها تطرق عواصم تلك الدول من دون مقاومة بعدما ترك الأشاوس حدودهم هربًا من شُذّاد الآفاق.
على نقيض العرب؛ كانت الجبهة اليهودية الداخلية قوية ومتماسكة، وكان الشعب كله، رجالاً ونساء، في حالة الاحتياط العام والتهيئة للقتال استعدادًا لحرب وشيكة وفاصلة مع العرب، وفي حين كان يتصارع قادة جيوشنا على السلطة ويكيدون لبعضهم وقد دبّ الفساد في أخلاقهم وفي كل وحدة من وحداتهم العسكرية، كانت مدن اليهود في فلسطين المحتلة تُجهّز بوسائل الدفاع المدني وفرق المتطوعين، والمستشفيات والأجهزة الطبية وسيارات الإسعاف وتدريب الشعب على ذلك كله.