بعد أسبوع من توقف الحرب (أي يوم السبت 17 من يونيو عام 1967) انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتناوب الكلام خلالها مندوبو (78) دولة، غير أن وزير خارجية إسرائيل قال في خطابه: (لن تعترف إسرائيل بأي قرار يصدر عن منظمة الأمم المتحدة وتطلب منها فيه الانسحاب إلى داخل حدودها السابقة، حتى إذا صوّتت مع القرار 121 دولة ولم يصوّت ضده سوى إسرائيل).
ولأنها المنتصر القوي فقد جمعت شتات اليهود من العالم، واستثارت عواطفهم لمساندة دولتهم، فانهالت عليها المساعدات والتبرعات، وتضاعفت إليها الهجرات، وصار الكيان المغتصب موئلاً ليهود الدنيا الحالمين بالوطن الموعود.
وإذا كانت دول الجوار قد تأثرت بتلك النكبة وفقدت أرضها ولحقتها الهزيمة من أحفاد القردة؛ فإن فلسطين تبقى هي الضحية الكبرى التي أرهقتها –ولا تزال- هذه النكبة، ودفعت –ولا تزال- الثمن الأعظم من دماء أبنائها وأمنهم واستقرارهم. في هذه الحرب تم تشريد (300) ألف فلسطيني من أبناء الضفة، استقر معظمهم في مخيمات الأردن، بعدما تهدّمت منازلهم وتعرّضوا لأقسى أنواع الإرهاب الصهيوني ووقّعوا على وثائق كاذبة تفيد بأنهم خرجوا بمحض إرادتهم، ومن غزة خرج نحو (70) ألفًا نحو مصر وأماكن أخرى من العالم.
كما دشّنت الحرب مشروع تمدد الاستيطان إلى الضفة وغزة ونهب مواردهما الطبيعية، وقام المحتل منذ هذه النكبة بمصادرة معظم المزارع الفلسطينية وتصنيفها «محميات طبيعية» ليستولي عليها في مرحلة لاحقة، واعتُقل من يومها إلى الآن ما يزيد على نحو (مليون) فلسطيني، واستشهد أكثر من (40) ألفًا آخرين.
رغم مرور أكثر من خمسة عقود على هذه النكبة إلا أن هناك سؤالاً لا يزال مطروحًا: لماذا انهزمنا؟ والجواب ليس صعبًا إذ حذّر المخلصون من هذه الهزيمة قبل وقوعها مرارًا لكن لا مجيب..
انهزمنا عندما اغتصب الحكام حقوق الشعوب ودمّروا مقوماتهم وفرّطوا في استقلالهم، انهزمنا عندما انفرد الحاكم بالسلطة واستخفّ بإرادة الملايين واستبدّ بهم، ذلك الاستبداد الذي سحق الشخصية العربية وأحالها إلى مسخ مرتعش منعدم الثقة في ذاته، فصار يسعى إلى لقمة عيشه في حذر، فاقدًا الانتماء..
انهزمنا لأن من حكمونا ليسوا سوى عصابات مسلحة دأبت على الكذب والخديعة والتضليل، ففي حين كانت مطاراتنا تدكُّ بالكامل وكانت دبابات العدو تسير فوق مئات الأسرى كان إعلام هذه العصابة يذيع على المواطنين بطولات وهمية يرقص الناس لها فرحًا، كان المدعو «أحمد سعيد» يبشِّر بأن طلائع الجيش على أبواب تل أبيب، وتؤكد صحيفة «المساء» التي تديرها الشئون المعنوية أن النصر قاب قوسين أو أدنى..
انهزمنا لأن من حكمونا قدموا النفايات وأخّروا الكفايات، وأعدموا الصالحين، وسجنوا المخلصين، وصادروا الأموال وأمموا المصانع والمشاريع، وأفسدوا الذمم والأخلاق، وأشاعوا الرذيلة والإلحاد، وكمموا الأفواه، إنها لم تكن هزيمة عسكرية فقط، بل سبقتها عشرات الهزائم في سائر نواحينا الحياتية، وجاءت تلك الهزيمة المنكرة تتميمًا لأخواتها السابقات..
لقد كانت الهزيمة قدرًا على هذه الأمة التي ضيّعت حق الله فأهانها على يد أرذل خلقه، ولو أنها امتلكت عتاد الدنيا ما نفعها ذلك شيئًا؛ إذ النصر من عند الله، ومن يخذله اللهُ فلا ناصرَ له من بعده.