هناك آيات في القرآن الكريم تأمر بعدم التفريق بين الرسل، كقوله تعالى: {ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ}،
وقوله تعالى: {قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَ هِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ}.
وهناك آيات تُخبر بتفاضل الرسل والأنبياء بعضهم على بعض، كقوله تعالى: {تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَـٰتࣲۚ..}، وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِمَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ تِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضࣲۖ وَءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورࣰا}.
قد يبدو أمام القارئ لهذه الآيات إشكال، إذ كيف يأمر الله بعدم التفريق بين الرسل، ثم يذكر أن هناك تفاوت وتفاضل بينهم؟!
وبقليل من التأمل في الآيات والتدبر لها يزول ذلك الإشكال، فالآيات التي تأمر بعدم التفريق بين الرسل نجدها تتحدث عن الإيمان بهم، فالإيمان بالرسل يجب أن يكون بمستوى واحد لا يتفاوت، فالإيمان بيونس عليه السلام يجب أن يكون بنفس مستوى الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، والإيمان بموسى وعيسى مثل الإيمان بزكريا ويحيى.. وهكذا، فلا تفريق بين الرسل ولا تفاوت في نسبة الإيمان بهم.
وعدم التفريق في الإيمان بالرسل لا يتعارض مع وجود التفاضل بينهم في المكانة والمنزلة، فهذا التفاضل مقرر وثابت في القرآن الكريم، ولا مجال لإنكاره أو تأويله.
ونلحظ أن هذا التفاضل بين الرسل لم يجعله الله نتيجة زيادة المحصول، أو كثرة الأتباع للرسول، بل جعله نتيجة ما بذله الرسول في الدعوة من مجهود.
فهذا شيخ الأنبياء نوح عليه السلام على طول مدته في الدعوة وتنويعه في التواقيت والأساليب، ما آمن معه إلا قليل: {حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَاۤ ءَامَنَ مَعَهُۥۤ إِلَّا قَلِیلࣱ}.
وهذا خليل الله، وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كانت حصيلة دعوته التي تعددت أساليبها، واختلفت أماكنها، ما حكاه القرآن:
{فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطࣱۘ وَقَالَ إِنِّی مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّیۤۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ}.
كذلك كليم الله موسى عليه السلام مع كثرة حججه وآياته، ما آمن له سوى البعض من شباب قومه: {فَمَاۤ ءَامَنَ لِمُوسَىٰۤ إِلَّا ذُرِّیَّةࣱ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفࣲ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِمۡ أَن یَفۡتِنَهُمۡۚ…}، وحتى هؤلاء الذين آمنوا وخرجوا معه لم يثبتوا معه، بل تعنتوا وفسقوا، وعصوا أوامره حتى ضاق بهم ذرعا، ووصل به الحال أن يدعو ويقول: {قَالَ رَبِّ إِنِّی لَاۤ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِی وَأَخِیۖ فَٱفۡرُقۡ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ .
ختاما
إن الإيمان بالرسل جميعا يجب أن تكون نسبته واحدة، وهي 100٪
فلا تفريق بينهم ولا تفضيل في نسبة الإيمان بهم.
أما التفاضل بينهم في المكانة والمنزلة عندالله، فهذا واقع وثابت، فقد فضل الله بعضهم على بعض، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وفضل محمدا ﷺ على الجميع، حيث منح كل رسول وسام السلام، فقال:{ وَتَرَكۡنَا عَلَیۡهِ فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ (١٠٨) سَلَـٰمٌ عَلَىٰۤ إِبۡرَ هِیمَ (١٠٩) كَذَ لِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ (١١٠) }، وقال:{ وَسَلَـٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِینَ }،
بينما منح محمدا واختصه وحده بوسام الصلاة والسلام، فقال: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا}.
دمتم عليه وحده مصلين