عبد الجليل هزبر يكتب: هل كان الجهاد استعمارا؟

وجدت تصورا غريبا لدى البعض عن الفتوحات الإسلامية بأنها عبارة عن حروب توسع واستعمار للبلدان، وقهر للشعوب وإجبارهم على اعتناق الإسلام!!
وهذا التصور لا أدري هل هو ناشئ عن قصور في الفهم والتعامل مع النصوص، أم ناشئ عن معلومات مغلوطة ومفاهيم خاطئة تبثها جهات مشبوهة بهدف تشويه الإسلام في نظر أبنائه!!
وأيا كان المصدر لهذا التصور فإن الواجب يحتم توضيحه وتصحيحه، حتى لا تبقى العقول مشوشة، ومهتزة أمام الشبهات.
عندما ننظر للعالم عند ظهور الإسلام نجده يرضخ تحت الاستعمار الفارسي، أو الاستعمار الروماني بشقيه (روما الشرقية وروما الغربية)، عدى جزء من شبه الجزيرة العربية التي ظهر فيها الإسلام.
وكانت هذه الامبراطوريات الاستعمارية تحكم الشعوب بالحديد والنار، وتسومهم سوء العذاب نفسيا بالقهر والاستعباد، وماليا بالضرائب الباهظة.
ولما ظهر الإسلام وتكونت دولته في المدينة، وبحكم أن رسالة الإسلام الخاتمة رسالة عالمية لا قطرية: {وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا كَاۤفَّةࣰ لِّلنَّاسِ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ} [سُورَةُ سَبَإٍ: ٢٨]
فقد راسل النبي ﷺ الملوك والأمراء ودعاهم للإسلام، وعلى رأسهم ملكا الامبراطوريتين الكبيرتين فارس والروم، فكان ردهما بالرفض مع التهديد بالقضاء على الدولة الإسلامية الوليدة.
وفعلا حشدت امبراطورية الروم جيشها لغزو المسلمين فواجههم النبي ﷺ في تبوك (غزوة العسرة)، ثم أرسل جيشا لصد هجومهم مرة أخرى في مؤته، وكذلك فعلت الامبراطورية الفارسية بعد وفاة النبي ﷺ.
وبحكم أن الدولة الإسلامية التي أسسها النبي ﷺ في المدينة ليست مهمتها الدفاع عن وجودها فقط، إنما مهمتها إيصال رسالة الإسلام إلى كل مكان وجد فيه الإنسان، ونشر العدل في العالم ورفع الظلم عن المستضعفين في الأرض، وإزالة الطغيان، وتمكين الشعوب من اختيار عقيدتهم بكل إرادة وحرية، كان لابد من الصدام المسلح مع قوى الطغيان والاستكبار العالمي السائد في ذلك الزمان.
حيث تصدت قوى الظلم والطغيان للدعوة السلمية بالكلمة ومنعتها من الوصول للناس، فكان على الدولة الإسلامية أن تواجه تلك السلطات المستبدة التي تمنع كلمة الحق من الوصول للناس، وتحرم الناس من حرية الاعتقاد وتجبرهم على اتباع ملة السلطة الحاكمة الاستعمارية.
فكانت حروب المسلمين مع قوى الطغيان الاستعمارية في ذلك الحين حروب تحرير للأوطان المستعمرة، وحروب إنقاذ للشعوب المضطهدة، ولم تكن حروب توسع ونهب ثروات وقهر وإذلال للشعوب، كحروب ملوك فارس والروم.
لقد أمر الله المسلمين أن يقاتلوا من يقاتلهم ولا يعتدوا، فقال: {وَقَـٰتِلُوا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ}.[سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٩٠]
وأمرهم كذلك أن يقاتلوا لرفع الظلم عن المستضعفين أينما كانوا، وعلى أي ملة كانوا، فقال: {وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا}. [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٧٥]
كما أمر الله المسلمين أن يقاتلوا حتى تكون كلمة الله المتمثلة بالعدل والحرية هي العليا، وحتى يكون النظام الإسلامي العادل هو السائد، فبسيادة النظام الإسلامي تنتهي الفتن والحروب، ويعيش الناس في ظله على اختلاف مللهم ومعتقداتهم بأمن وسلام، وهذا هو المقصود بقوله تعالى: {وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ}. [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٩٣].
والمقصود بالدين في الآية النظام الإسلامي العادل، والمعنى: قاتلوا كل من يقاتلكم حتى يكون النظام الإسلامي العادل، هو النظام السائد المهيمن لا أنظمة الجور والطغيان.
ختاما
إن الجهاد في الإسلام
ما كان أبدا للاسترقاق، ولا الاستعمار،
ولكن كان للتحرير ومنع الاستعباد،
وما كان أبدا للقضاء على الأديان وإجبار الناس على الإسلام،
وإنما كان لإقامة النظام العادل، وإزالة أنظمة الجور والطغيان،
وقد لخص ربعي بن عامر رضي الله عنه تلك الوظيفة أمام ملك الفرس بقوله: «نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة».
دمتم عليه وحده مصلين