عبد الجليل هزبر يكتب: ولا يزالون مختلفين
قال تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل..}، فسر البعض أن حرف الجر (مِنْ) للتبعيض، وعلى ذلك فمن الرسل من هم أولوا عزم ومنهم بلا عزم، وهذا التفسير لا يتناسب مع مكانة الرسل الذين اصطفاهم الله لتبليغ رسالاته.!!
والتفسير الذي يتناسب مع مكانة الرسل أن كل الرسل أولوا عزم، و(مِن) في الآية بيانية لا تبعيضية، أي أنها بينت جنس ونوع الناس الذين ينبغي أن يقتدي النبي بهم في العزم وهم جنس الرسل لا غيرهم، ويدعم هذا المعنى (ال) التعريف في(الرسل) فإنها للشمول والاستغراق.!!
بعض الدعاة يستشهدون على الاختلافات الفكرية في الوسط الدعوي والفكري بقول الله: {..ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم..}، والاستشهاد بهذه الآية في هذا الموطن خطأ فادح، لأن الآية تتحدث عن اختلاف بين كفر وإيمان، وهدى وضلال، وحق وباطل، وليس مجرد اختلاف في الرأي أو وجهات النظر.!!
ومما يدل على أن الاختلاف في الآية المذكورة اختلاف في أصل الدين هو بداية الآية:{ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة..} أي متبعين للحق، ولكن شاءت حكمته أن يخلقهم مزودين بحرية الإرادة والتوجه التي ينشأ عنها وجود كافرين ومؤمنين، كما قال الله: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير}.!!
يدل على ذلك -كذلك- الاستثناء في قول الله:{إلا من رحم ربك..}، فلو كان الاختلاف في الآية اختلافا فكريا لما صح أن يُستثنى منه إلا من رحم ربك، فهذا الاستثناء يدل على أن المختلفين هم من بعدوا عن الحق والهدى وساروا في طرائق الباطل والضلال، والذين اتبعوا الحق والهدى هم من ساروا في طريق الحق وتوفقوا لرحمة الله: {إلا من رحم ربك..}.!!
هذا الاختلاف بين الحق والباطل والهدى والضلال، والإيمان والكفر، هو سنة جارية في الأرض اقتضتها الحرية التي خلق الله الناس عليها وفطرهم بها، وهو ما عبرت عنه الآية بقوله:{ولذلك خلقهم}، أي لحرية الاختيار والاختلاف خلقهم.!!
إن الاختلاف المقصود في الآية ليس هو الاختلاف التكاملي الذي يظنه البعض كالاختلاف في اللون أو في القدرات والطاقات، أو في الفهوم والإدراكات، وإنما هو الاختلاف عن الحق المبين، وتنكب الصراط المستقيم، ولذلك ختمت الآية بقوله تعالى: {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}.!!
ختاما
الاختلافات الفكرية والآراء الاجتهادية في الفكر الإسلامي -وإن أخطأت- فإنها تظل ضمن دائرة الحق والهدى،
ما لم يكن باعثها ومحركها الكبر والهوى.!!
تم عليه وحده مصلين،،،