عبد الرحمن جمال يكتب: أين الأمة الإسلامية من غزة الجريحة؟!
ما يجري اليوم في غزة من إبادة جماعية مكتملة الأركان غير مسبوقة في تاريخ المجازر، لشعب عازل لا يملك شيئا من الأدوات القتالية والأجهزة المتقدمة معشار ما يملكه العدو الصهيوني، إنها إبادة تعجز الكلمات عن وصفها، حيث الدماء والأشلاء والدمار والإبادة والخوف والهلع، تهدَّم البيوت على رؤوس أصحابها، وتقصف المستشفيات على الجرحى والمرضى والمنكوبين العزل، كل ذلك يحدث على مرأى من العالم ومسمع دون أن يحرك ذلك ضمير بني البشر.
قد عرف اليهود في تاريخهم الطويل المليء بالمجازر، بالوحشية والفظائع فكلما سنحت لهم أن ينكلوا بشعب لم يألو جهدا للإبادة والتدمير، كانت هذه الشرذمة منبوذة ومطرودة في كل عصر ومصر وكانت شعوب العالم تكره هذه الجرثومة الخبيثة، وأخيرا بعد ما تقاعست الدول الإسلامية وتقاعد المسلمون عن واجباتهم هيمنهم الله على هذه الأمة فجثمت على صدر البلاد الإسلامية ومنذ أن أصبحت لهم دولة لم تقم للدول الإسلامية قائمة فهي تعيش دوما حالة من الفوضى والتشتت نتيجة نفوذ هذه الجرثومة في الدول الإسلامية.
كان خذلان العرب والمسلمين وهزيمتهم تجاه إسرائيل من الوقائع المرة في تاريخنا المعاصر ومن الأيام النحسة بالنسبة للمسلمين حيث حصل اليهود في قلب العالم الإسلامي على دولة لها حساباتها ولها قوتها وهيمنتها الاقتصادية وقوتها العسكرية. ولم يبق أي بصيص من الأمل تجاه القدس وفلسطين اللهم عصابة مؤمنة لم تركع ولم تخنع بل واصلت الجهاد ضد الاحتلال الصهيوني مع قلة عددها وعدتها، وكانت توقع بالصهيونيين بين فينة وأخرى وتدك معاقلهم وتقف حاجزا في وجه المحتلين، ولم يضرها خذلان العالم الإسلامي والأمة العربية.
كان طوفان الأقصى مفاجئا للجميع فقد تمكنت هذه الحفنة الصغيرة التي لم يُعبأ بها في خارطة العالم في الأراضي المحتلة، وتوغلت في قلب أعتى وأقوى دولة في الشرق الأوسط، حيث قتلت منهم عددا كبيرا وأسرت أعدادا آخرين. كان رد فعل العدو قاسيا كما كان يتوقع فقد تصرف تصرفا جنونيا وبدأ يقضي على الأخضر واليابس، فلم يرحم الضعفاء ولم يرحم الجرحى والمرضى والمنكوبين العزل، ومن المضحكات المبكيات أن الدول الإسلامية بقيت كالمتفرجة، والبعض اكتفت بالشجب البارد والمظاهرات المحدودة.
سؤال قد يطرحه الكثيرون منا هل كان المجاهدون على الحق أن يتوغلوا في هذا الوقت الحرج في أراضي العدو المحتل ويوقعوهم؟! ألم يكن خيرا لهم أن يعيشوا كما كانوا ويتحملوا الاحتلال فيخسرون قليلا من الدماء والأراضي أما الآن فلم تقم لهم قائمة؟! ألم يعط هذا الهجوم المباغت العدو الضوء الأخضر ليتصرف هذا التصرف الجنوني، ويقتل هذا العدد الهائل من الأبرياء ويسوي أرض غزة بالأرض؟!مثل هذه التساءلات وغيرها يثيرها كثير من المسلمين وغيرهم، ولست بصدد الإجابة عن هذه التساؤلات إلا أن شيئا يجب أن نؤكد عليه وهو أن العدو الآن لا يريد إلا القضاء على هذا الشعب الأبي العزل، وعليه فإنه يجب الآن الدفاع عن شعب يباد، وأرض تطمس عن خارطة العالم، ونترك اللوم الآن وننبذ الاختلاف الفكري والسياسي جانبا، الآن عهد التكاتف والتعاضد، عهد الوحدة والالتحام، عهد الزحف تجاه عدو لا يعرف الآن إلا القوة والبطش.
ولا شك أن كل مسلم مسؤول عما يجري في غزة، فإن المسلمين كجسد واحد ولا بد من كل الجسد أن يشعر بالألم إذا ما أصيب عضو من الأعضاء بالحمى والألم، ولا شك أن ما يجري عليهم فكأنه يجري علينا فكأن بيوتنا تهدم وأطفالنا يقتلون وأعراضنا تنتهك. إذن ما هو واجبنا كشعوب وحكومات تجاه إخواننا المنكوبين في غزة؟
١- إن أول ما يجب على كل هو أن يشعر بالألم، ويشعر بالمسؤولية، ويخزه ضميره، فيبكي ببكاء أهل غزة يتألم بألمهم، ويشاطرهم في كل ما يجري عليهم من مآس وأزمات بكل مايملك، فكأنه هو الذي يفقد فلذة كبده وكأنه هو تهدم البيوت على رأسه.
٢- وعلى صعيد الحكومات والدول فإنه يجب المقاطعة التامة مع دولة الاحتلال في كل الأصعدة، والضغط عليها، ولا شك أن دولة الاحتلال محاطة بالدول الإسلامية من كل جانب، فإذا بدأت الدول الإسلامية بطرد سفراءها وقاطعت الاحتلال سياسيا واقتصاديا، فإنه سيكون رادعا بالنسبة إلى العدو المحتل.
كما يجب على الدول الإسلامية أن تدعم الفلسطينيين والمجاهدين بالمال والأسلحة كما تفعل حلفاء الاحتلال معه حيث دعمت أمريكا والدول الأوروبية العدو المحتل بالمال والسلاح. فإن الدول الإسلامية لو أمدت المجاهدين فإن الاحتلال سيرتدع ويتوقف عن القصف العشوائي المستمر.
٣- وعلى صعيد الشعوب فإنه يجب تشكيل مظاهرات منددة بالمجزرة، ومقاطعة السلع الإسرائيلية والأمريكية، والاستعداد للجهاد إذا ما توفرت الشروط المطلوبة، والتضرع إلى الله تعالى.
٤- وعلى الإعلاميين فضح ما يرتكبه الاحتلال من مجازر وإبادة بحق الشعب العزل، كما ويجب تنوير الرأي العام في الدول الغربية حتى يعرف الشعب الغربي حقيقة الديمقراطية المزيفة التي يهتف بها الغرب، فإن الإعلام يلعب الدور الرئيس والفعال في هذا المضمار.
5- ويجب على حملة الأقلام أن يجندوا أقلامهم للقضية الفلسطينية واليهود، فيفضحوا مخططات اليهود، والمجازر التي يرتكبونها وارتكبوها طيلة القرون والأحقاب.
6- ويجب على الخطباء والدعاة تنوير الرأي العام وفضح المخططات الصهيونية وذكر تاريخ اليهود المليء بالكيد والخيانة والتنكيل.
7- الدعم المادي وجمع التبرعات من أهم ما يجب الآن أن يبادر بها المسلمون في أنحاء العالم.
8- فلتكن القضية الفلسطينية قضية إنسانية قبل أن تكون عربية وإسلامية، وقد رأينا كيف تعاطف العالم بما فيهم المسلمون والدول الإسلامية مع أوكرانيا وجعلوها قضية إنسانية، هكذا فلتكن قضية فلسطين قضية إنسانية ولابد من إفهام الشعوب الغربية أن الذين يبادون هم بشر من بني نوعكم قبل أن يكونوا عربا ومسلمين، فإن في الغرب من فيهم مسكة من الإنسانية ربما تدفعهم الغيرة الإنسانية أن يضغطوا على حكوماتهم. ويقال: إن الغربيين بدؤوا يتكاتفون مع الشعب الفلسطيني. فإن دور الإعلام مهم في مثل هذه الأوضاع.
9- ولننظر إلى القضية الفلسطينية على أساس العاطفة والحماس لا على أساس العقل والمادية، ومع الأسف بالنسبة إلى هذه القضايا طغى العقل على العاطفة والحماس، فتقلصت روح الجهاد وطغت المظاهر على المعنويات والعواطف، وقل في المسلمين روح المغامرة والاقتحام، فإن معظم المسلمين اليوم ينظرون إلى القضية الفلسطينية على أساس أن إسرائيل قوة قاهرة لا تُغلب وأن الفلسطينيين لا يملكون شيئا، وإذا نظرنا إلى المادة فإنه لا يمكن المقارنة بين القوتين، ولكن لو تصفحنا أوراق التاريخ لأدركنا أن الروح المعنوية والحماس والعاطفة وروح المخاطرة والتفاني هي التي تغلبت على المظاهر والماديات. وإن كل المعارك الضارية التي خاضها المسلمون وانتصروا فيها كانوا أقل من العدد والعتاد ولم يكن من الإمكان المقارنة بين القوتين من حيث الظاهر ولكن المعنوية والحماس وروح التفاني والاستشهاد هو ما تكفل بغلبة المسلمين على عدوهم، إنه لا بد من كسر شوكة الصهيونية، والتقليل بشأن ما يملكون من العدد والعتاد، ولا بد من نفخ روح الأمل والتفاؤل والمغامرة والجهاد في الشعوب الإسلامية. ولنثق بلطف الله ونصره، وأن الله مع المؤمنين الصادقين.
ولنعلم أن أهل غزة يعيشون اليوم أياما صعبة للغاية، فلنكن معهم بالقلب والقالب، ولنعلم أن التاريخ سيسطر أيام المجد والعز والنصر لأهل غزة ولكل من وقفوا معهم، وسيسجل التاريخ الشنار والخزي والعار لكل من خذلهم وتركهم لقمة سائغة للعدو المحتل.
وإذا نجح العدو في إركاع غزة فستكون الضحية القادمة هي المدن الفلسطينية الأخرى بالحتم، وستطال حتى الدول المجاورة وقد أثبتت الأحداث منذ أن تأسس الكيان الصهيوني أن اغتصابه للأراضي الفلسطينية سيتبعه أطماع لأراض عربية أخرى، فلتتجند له الدول العربية حفاظا على حدودها وأراضيها.
وأخيرا أيها المسلم! ألا تهتم بصرخات الثكالى والأطفال والعجزة، ألا يعنينا ما يصيب إخواننا وأخواتنا المنكوبين من أبناء غزة، فإننا لا نأمل من حكامنا الذين دسوا رؤوسهم في التراب مثل النعام وكأن قلوبهم قدت من صخر، ولكن الشعوب يجب أن لا تجلس مكتوفة الأيدي بل تؤدي دورها بقدر المستطاع من دعم مالي أو معنوي والاستعداد لمعركة يوم عظيم، ورفع أكف التضرع والابتهال إلى الله تعالى فإنه خير ناصر ومعين. وإنه المستعان وعليه التكلان.