عبد السلام العمري يكتب: المدارس الشرعية في شبه القارة الهندية

العيش في المدارس الشرعية في شبه القارَّة الهندية وبلوشستان الإسلامية له تاريخ حافل بالقصص والحكايات الحلوة والمرة، حياة عجيبة رائعة ساذجة بسيطة، الطلاب ياتون من كل فج عميق للدراسة فيها، يتركون أهلهم وجيرانهم وأبناء جلدتهم ويقضون شهوراً في المدارس، هناك يبيتون، يدرسون، يتحملون جميع المشاكل من أجل غايتهم الثمينة الغالية، يتحملون البرودة والحرارة والجوع، قلَّما توفر مدرسة أسباب الراحة،
لاسيما في الشتاء يبرد الطقس القارس، والطلاب يغتسلون بالماء البارد، يغسلون ثيابهم، عشرة أفراد أو أكثر يبيتون في غرفة واحدة، البطانيات ساذجة بسيطة، الأطعمة اللذيذة لا تتوفر كثيراً، كثير من المدارس لا تملك الساخنة والبرادية والغسالة والمدفأة والمكيف والمروحة وووو، وهذه المدارس تدور رحيها على المساعدات الشعبية فحسب، لا تقبل أية مساعدة من أية حكومة، بل المسلمون ينفقون عليها، لذا الدراسة في مثل هذه المدارس حافلة بالمشاكل والعراقيل،
مع ذلك، المدارس الشرعية تواصل مسيرها وتربي رجالاً غيارى ربانيين لخدمة الدين الإلهي، هذه المدارس تؤدي دوراً كبيراً لإيقاظ الشعب الإسلامي وتعليمهم وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية، هذه المدارس تمهد الطريق إلى معرفة الثقافة الإسلامية النقية المستفادة من ينابيعها وهي القرآن والسنة، الطلاب ينهلون من مناهل القرآن والسنة ويتدارسون الشريعة الإسلامية الغراء،
وهي تضيء العالَم وتستنير وتستضيء منها الشعوب الإسلامية وترتوي منها العقول الصافية والأذهان التواقة والأفكار الطماحة، ولا يخفى دورها وخدماتها على العالم، اليوم متخرجو هذه المدارس مشتغلون بخدمة الدِّين في أنحاء المعمورة، هذه المدارس الشرعية كلها تنتمي إلى جامعة دارالعلوم ديوبند في الهند، أسسها الإمام المجاهد، قاهر السيخ والاستخراب الإنجليزي، الشيخ محمد قاسم النانوتوي، رحمه الله تعالى، كأنها شجرة باسقة شامخة مرفوعة الهامة والقامة، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، هذه الجامعة لم تكن مدرسة روتينية فحسب،
بل كانت مدرسة شرعية وحركة تعليمية دعوية إصلاحية جهادية، كانت حركة جهادية نضالية قوية ضد مكايد ومخططات ومؤامرات الاستخراب الإنجليزي، رجالها رغموا بالتراب أنوف السيخ والإنجليز، وخيبوا آمالهم وداسوهم تحت أقدامهم، مدرسة كانت تربي رجالاً مؤمنين ربانيين، تربى فيها إمام الهند، مولانا محمود الحسن الديوبندي، إمام المحدثين، حافظ الحديث، الشيخ أنور الشاه الكشميري، شيخ العرب والعجم مولانا حسين أحمد المدني، المفتي محمد شفيع العثماني، العلامة شبير أحمد العثماني، العلامة ظفر دأحمد العثماني، حكيم الأمة مولانا أشرف علي التهانوي….. رحمهم الله تعالى رحمة واسعة واسكنهم فسيح جناته،
ثم تشعبت هذه الجامعة وبُنيت تحت ظلها مئات من المدارس الشرعية في الهند وباكستان وأفريقيا وبلوشستان الإسلامية وخراسان وأفغانستان والولايات المتحدة الأمريكية، جامعة دار العلوم ديوبند كانت نواة لبناء ألاف المدارس الشرعية في الكرة الأرضية، لذا هذه المدارس تؤدي دورها بأحسن شكل، وتربي أفلاذ أكباد المسلمين، هي معاقل و حصون للحفاظ على العقيدة الصافية النقية،
ومن أبرز المدارس الشرعية في الهند، عبارة عن: جامعة دار العلوم ديوبند، جامعة مظاهر العلوم في سهارانفور، جامعة دار العلوم التابعة لحركة ندوة العلماء في لهكنو، أما الجامعات الإسلامية الكبرى في باكستان عبارة عن: جامعة دار العلوم كراتشي، جامعة العلوم الإسلامية بنوري تاون، جامعة الرشيد، الجامعة الفاروقية، جامعة الأشرفية في لاهور، جامعة دار العلوم أكورة ختك، وألاف من المدارس الشرعية في باكستان،
أما في بلوشستان الإسلامية في إيران، عبارة عن: أبرزها جامعة دار العلوم المكي بمدينة زاهدان، وجامعة عين العلوم جشت سراوان، مدرسة مخزن العلوم في مدينة خاش، هذه المدارس الشرعية والمعاهد والكتّاب كلها ارتوت وترتوي من منهل جامعة دار العلوم ديوبند وتنتمي إليها وتستضيء منها، وهذه المدارس الشرعية لها مكانة كبيرة ودور فعال لإنقاذ الناس من مهازل الخزعبلات والبدعات والشركيات.
عبد السلام العمري
بلوشستان الإسلامية