بحوث ودراسات

عبد الله مقبل أبو المقداد يكتب: قراءة في فكر سيد قطب ومنتقديه

بمناسبة وغير مناسبة تُجَرَّد أقلام متباينة التوجه نقدًا لسيد قطب أو اتهامًا أو تعريضًا ويجمعها في رأيي الخضوع الواعي واللاواعي للهيمنة والهوان والوهن الذي صادمه سيد وحاربه وأبى الخضوع له.

لقد رفض سيد قطب -رحمه الله- الهيمنة مطلقًا بكل أشكالها وصورها في حين قبلها كلها بعض منتقديه أو قبل بعضها البعض الآخر، وأهم صور تلك الهيمنة ما يأتي:

أولًا:

هيمنة الكفر بكل مجالاته السياسية والاقتصادية والأخلاقية و.. إلخ، لقد رفض سيد قطب تلك الهيمنة كون حقها التخفي والذلة وحق الإسلام الظهور والعزة كما قال الله:

﴿هُوَ الَّذي أَرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهيدًا﴾

[الفتح: ٢٨]

﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ ۝ وَإِن تَوَلَّوا فَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَولاكُم نِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصيرُ﴾

[الأنفال: ٣٩-٤٠]

﴿… وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ وَلكِنَّ المُنافِقينَ لا يَعلَمونَ﴾

[المنافقون: ٨]

 ولهذا ستجد من ينقُد سيد قطب أو يشنع عليه لهذا السبب؛ لأنه لا يجد إشكالًا في أن يكون الكفر ظاهرًا له الغلبة،

أو يكون مساويًا للإسلام في الظهور،

أو يرى أن طبيعة الإسلام يمكن أن تُختزل في مركز إسلامي وحرية عبادة يسمح بذلك نظام غربي كــ.ــافر، ويطيل المديح له، ويَنفر من كل ما يقلق هذا الاختزال أو يذكر بأحقية الظهور لهذا الدين كفريضة يجب أن تكون.

ثانيًا:

 هيمنة الإسلام المصنطع الذي اختلقه أعداء الإسلام ليكون وديعًا موادعًا؛ يقبل التبعية،

ويرضى بالسلام مع العدو،

ويشارك بيضته مع خصومه التقليدين،

إسلام مُبَعَّض مجزئ حسب الأهواء وبتعبير سيد (إنهم يريدون الإسلام الذي يُستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يُستفتى في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية، إنها لمهزلة، بل إنها لمأساة)، وقد رفض سيد قطب – رحمه الله – هذه الهيمنة لأنه لا علاقة لها بالإسلام الذي أنزله الله، بينما قبل بها فئام من الناس تحت وطأة الترغيب أحيانًا،

والترهيب أحيانًا أخرى،

وتحت ذريعة التدرج أحيانًا،

وبيافطة فقه الممكن أحيانًا أخرى،

بينما صريح القرآن يرفض ذلك إذ قال الله:

﴿وَأَنِ احكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم وَاحذَرهُم أَن يَفتِنوكَ عَن بَعضِ ما أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيكَ فَإِن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللَّهُ أَن يُصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقونَ ۝ أَفَحُكمَ الجاهِلِيَّةِ يَبغونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكمًا لِقَومٍ يوقِنونَ﴾

[المائدة: ٤٩-٥٠].

ثالثًا:

 هيمنة وكلاء المستعمر من الطغاة الذين نصَّبهم على رؤوس المسلمين؛ يحرسون حدوده السايس بيكوية،

ويحصرون الإسلام في المصاحف،

ويفرضون شرائع المخاليق وتبعية الشعوب المسلمة للغرب الكــ.ــافر،

وينتهبون ثروات المسلمين مع أسيادهم.

ولما رفض سيد قطب هذه الهيمنة،

وفضَّل المشنقة على أن تشهد أصبعة لهؤلاء الطغاة،

سكت البعض عن هذه الهيمنة وهاجموه لأنه أحرجهم،

وسوغ البعض الآخر تلك الهيمنة بتأويلات فاسدة لنصوص الوحي وشنعوا عليه لأنه فضحهم.

وإن الدين الذي اعتبر القتال لأجل المستضعفين جهادًا في سبيله فقال:

﴿وَما لَكُم لا تُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالمُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلدانِ الَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا أَخرِجنا مِن هذِهِ القَريَةِ الظّالِمِ أَهلُها وَاجعَل لَنا مِن لَدُنكَ وَلِيًّا وَاجعَل لَنا مِن لَدُنكَ نَصيرًا﴾ [النساء: ٧٥]

وأن سيد الشهداء رجل يقوم لظالم فيأمره وينهاه فيقــ.ـتله، وأن أعظم الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر؛

لا يمكنه أن يقبل بشرعنة استضعافهم، أو يُسَوِّغ تلك الهيمنة،

والإسلام الذي صرح بأن من غاياته الكبرى أن تكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا عصي على التغيير والتأويل لهوى حاكم أو شهوة عالم.

رابعًا:

 هيمنة ثقافة الغرب الكافر الغالبة، وهذه الهيمنة رضخ لها بعض الإسلاميين للأسف بل حتى المتصدرين منهم لمواجهة تلك الثقافة، وكثير منهم وقعوا في ذلك دون شعور إما تحت ضغط الموازنة،

أو دفعًا للحرج أمام الآخر،

أو التزامًا للوازم مقدمات اختطوها مع ضعف النظر في المآلات،

ك مسألة الجهاد،

والحاكمية،

والجاهلية،

والتكفير،

وقضايا المرأة،

وغيرها

وحين رفض سيد قطب تلك الهيمنة، ولم يرضخ لتلك الموازنات أو الالتزامات أو التحرجات إذ قد قال الله:

﴿كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ ۝ اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾

[الأعراف: ٢-٣]

وقع فيها أولئك؛ ولهذا اندفعوا لإدانته لأنهم إذا لم يفعلوا أدانوا أنفسهم،

ولتسويغ تلك الإدانة اتخذ بعضهم طريقة الإعذار لسيد قطب بأنه كتب ذلك تحت وطأة السجن والتعذيب، والحقيقة هي ما قلته لك.

 ثم قد رأيتَ فئامًا من الإسلاميين دخلوا السجون ومروا على زنازين التعذيب ثم خرجوا يبيعون الدين بثمن بخس،

ويقبلون الدنية في دينهم،

ويرضون بفتات حرية على حساب القضايا الكبرى،

فأين تأثير السجون والتعذيب في التطرف والتشدد الذي يدندن حوله البعض تجاه سيد قطب!

 إن سيد قطب مضى إلى الله كمسلم حر أتقن فن العبودية لله وحده، ورفض كل ألوان الهيمنة، وإن شئت نقده فانقده في غير عجزك عن الوصول لذلك المقام السامي، فهو في الحقيقة بشر يُنقد كغيره،

أمَّا أن يتخذ العجزُ سُلَّمَ النقد لهدم المقامات العالية في نفوس الجيل فهذا ضرب من الخيانة،

ولون من تعزيز التيه لدى الجيل والشباب المسلم!

 إن الأمة الإسلامية مقبلة على تحرر جاسر من كل الهيمنات؛ فتكسر القيود الوضعية،

وتقوم بمهمة خيريتها،

وشهادتها على الخلق،

واستخلاف الله لها،

وإظهار دين الله على كل دين،

وإعلاء كلمة الله،

ولن يضيرها متشربةُ الهوان، أو قابلو الدون، أو الراضون بالفتات،

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى