أقلام حرة

عبد الهادي راجي المجالي يكتب: العراق أكبر من مباراة في كرة القدم

تابعت مباراتنا مع العراق، تابعت ما قبل المباراة وما بعد المباراة.. واعترف أني كنت معجبا بالمشجع العراقي (رسول أبو القوزي) الذي استولى على الشاشات.. ووسائل التواصل بخفة دمه، وعفويته وبصوته الجميل.

لقد تشكل الوعي لدي عبر العراق، أنا الذي حفظ نصف قصائد بدر شاكر السياب وكل قصائد مظفر النواب، والقلب لم يكن يطرب إلا لفؤاد سالم.. وياس خضر ورياض أحمد، لو تعرفون رياض أحمد؟ هو لم يكن فنانا بقدر ما كان رساما.. هو الذي قام بتشكيل خارطة للحزن في قلبي، ولونها باللحن المحمداوي.

العراق في ظني أكبر من مباراة كرة قدم، هو الذي فتح دجلة والفرات لكل العرب كي يشربوا منه، هو الذي دفع الدم مضاعفا دفاعا عن البوابة الشرقية، وهو الذي تحمل ألوف الأطنان من القذائف.. هو الذي حاولوا تكسيره مثل الزجاج لكنه أعاد بناء نفسه.. هو الذي توزعت أحلام شعبه بين العواصم، ولكنه أعادهم إلى بغداد.. وجعلها تطبق جفنيها على أولادها وتحرسهم وتحميهم حتى من ذرات الغبار..

لماذا يستفز العراق لأجل مباراة كرة قدم؟.. القصة ليست في فوز الأردن، لأننا فزنا بالعروبة قبل كرة القدم، حين فتحت عمان ذراعيها لمليون عراقي جاءوا إليها بعد الحرب، وحملتهم على كفها الحنون.. جعلتهم مثل أولادها، كنا نفعل ذلك ليس في إطار المنة ولا في إطار المنفعة، بل من أجل رد بعض الجميل للعراق الذي وقف معنا في محطات كثيرة من عمر العرب.. كنا نتذكر (القدر) العراقي الذي قدم لنا.. في لحظة كان شعب بغداد يعاني فيها من اقتصاد متعب.

نحن فزنا في العروبة، حين تعانق الشباب الأردني والعراقي في مقاهي الرابية بعد المباراة وقبلوا بعضهم، ومسحوا دمع بعضهم …الذي خسر مسح الشباب الأردني دمعه، والعراقي مسح دمع الفرح للأردني.. نحن فزنا لأننا لم نفرد غضبنا على وسائل السوشيال ميديا.. وقلنا العلاقة مع العراق هي ذاتها علاقة الشقيق بالشقيق.. وبين الدم الواحد لا يوجد خاسر أو فائز.

نحن فزنا …لأن الجيران في خلدا وتلاع العلي وأم السماق وعبدون، صعدوا لجيرانهم من العراق.. وتبادلوا معهم الضحكات، وعانقوهم …وتناولوا طعام الغداء سويا، وعاد الأولاد كي يكملوا اللعب مع بعضهم …ونحن فزنا لأن الشقيق العراقي المقيم في عمان وزع قلبه بين تراب الأردن وبين دجلة …نحن فزنا بالعروبة والحب.. هذه المعادلة السامية أكبر بكثير من لعبة كرة القدم.

لنذكر الأخوة في البصرة والموصل والنجف وذي قار والفلوجة.. وكل العراق أن الوطن الذي ينجب محمد مهدي الجواهري لا تستفزه لعبة كرة قدم.. والوطن الذي ابتدأت الحضارة من عنده لا يهزم، والوطن الذي بنى بابل للبشرية وقدمها كعنوان على حضارة النهرين لا يكسر.

أما الأردن حتما سيبقى الوطن الذي خلق من الصبر والكبرياء، هو الوطن الذي بنيت مدنه فوق الجبال.. عاصمته بنيت على الجبال.. رجاله أغلبهم سكنوا الجبال ولدوا فيها ودفنوا على سفوحها، ومسارهم كان الوعر والشوك والارتقاء …ومجنون من يقاتل جبلا، أو يعيب على الجبل علوه.

أنا أنظر للنتيجة على أنها رد اعتبار لقلبي، فقد ولدت مهزوما أمام العشق العراقي والوتر العراقي والعيون العراقية.. لا تستكثروا على قلوبنا بعد كل هذا العشق أن تفوز في لعبة كرة قدم.

عبدالهادي راجي المجالي

‏كاتب صحفي أردني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى