– ليس مِن حقيَّ المرورُ في هذا الطريقِ. كانت تلك الكلماتُُ الموجعاتُُ يرددُها طارقٌ سرًّا كلما تذكرَ هذه الأرضَ الزراعيةَ التي ورثَها عن أبيه ثم أهملَ في زراعِتها حتى صارت ملعبًا للأولادِ وذاك المنحلَ الذي كان يغذي القريةََ كلَّها بالعسلِ الصافي وكيف صار إلى هذه الدرجةِ من الخرابِ لعدم القيامِ بأعمالِه.
أمام منزلِه الريفي وتحت ظلِّ إحدى الأشجارِ يفترشُ طارقٌ حصيرًا من البلاستيكِ منتظرًا قدومَ زوجتِه بكوبٍٍ من الشاي
عند حضورِها تلاحظُ شرودَه الذهنيَ فتبادرُه قائلةًً:
– فيمَ تفكرُ؟
ينتبهُ لها وكأنَّهُ عائدٌ من رحلةٍ إلى الماضي القريبِ محاولًا إخفاءَ حزنِه قائلًا: لا شيء.
– ولكني ألاحظُ علاماتِ الضيقِ والندمِ على وجهِك.
– ما دمتِ تصرينَ على السؤالِ فعليك أنْ تنظري بعينيك هاتين هنا وهناك. وأشار بيدِه إلى الأرضِ وإلى المنحلِ.
– فهمتُ ما تقصدُ ولكن ماذا كان بيدِنا؟
– كان بيدِنا الكثيرُ لكننا اخترنا حياةَ الرفاهيةِ دون بذلِ العرقِ، انظري إلى أولادِك الذين يسهرونَ حتى الصباحِ أمامَ التلفازِ والهواتفِ المحمولةِ، أليسوا جميعًا في سنِ العملِ؟
إنهم ما زالوا نائمين وقد انتصفَ النهارُ وأنت تباركين ذلك ظنًّا منك أنَّ هذا حبٌّ لهم وخوفٌ على صحتِهم من العملِ والتعبِ.
تمدُّ له يدَها بكوبِ الشاي فيأخذُ منه رشفةًً واحدةًً ويأمرُها بإحضارِ مزيدٍٍ من السكرِ، تمضي مسرعةً إلى محلِ البقالةِ الذي افتتحوه في الركنِ المواجهِ للطريقِ من منزلِهم الكبيرِ ولكنها تعودُ مسرعةً قائلةً:
-لقد نفدت جميعُ أكياسِ السكرِ.
يصيحُ في وجهِها:
-سأغلقُ هذا المحلَ الذي اعتمدنا عليه وأنفقنا عليه أموالًا ضخمةً لجلبِ السلعِ التي نستهلكُها نحن دون غيرِنا.
تنصرفُ سريعًا خشيةَ غضبِه ولكنَّهُ يلاحقُها قائلًا:
أتدرين مَن مرَّ أمامي عندما كنتِ تجهزين الشاي؟
تردُّ الزوجةُ بصوتٍ يملؤهُ الخوفُ: لا أدري.
– لقد مرَّ ساعي البريدِ وسلمني خطابًا من بنكِ القريةِ يطالبُني بسرعةِ سدادِ القرضِ وفوائدِهِ قبل نهايةِ الشهرِ الحالي وإذا لم يتم السدادُ فإنَّ البنكَ سوف يستولي على قطعةِ الأرضِ وعلى المنحلِ.
تردُّ الزوجةُ: وما العملُ إذن؟
– أيقظي الجميعَ حالًا حتى يشعروا بالخطرِ ثم نفكرُ معا كيفَ نخرجُ من هذه المحنةِ، فكلنا في سفينةٍ واحدةٍ.
———————————
– من المجموعة القصصية المقررة بمكتبات المدارس الإعدادية والثانوية العامة (حين ترقص الأحلام)