عزيز فيرم يكتب: عولمة الإرهاب وإرهاب العولمة
بدايات الألفيّة الثالثة هبّت معها ريّاح التغيير على مستوى العديد من المفاهيم التي كانت قبلها موجودة لكن بمعان ومضامين أخرى، مفاهيم طفت أعلى السّطح والعالم لحظتها تلك يشهد بروز حراك كبير ربما كان للولايات المتحدة الأمريكيّة دورّ كبير فيه، من خلال المدلولات المادية في صورة أحداث الحادي عشر من أيلول كمثال وفي صورة المشهد النفسي الدرامي الذي كانت ذات الدولة تريده للعالم أجمع حلفائه وأعدائه.
جملة المتغيرات على الساحة السياسيّة الدوليّة اتساقا مع ذلك تركزت معها المتابعة على المفاهيم التي خدمت المرحلة وهي كثيرة نحو: عولمة الإرهاب وإرهاب العولمة كجزء من حقيقة عالم قائم آنذاك.
قد لا نغالي إن قلنا بأن حجم العمليات الإرهابيّة قد تعالى نسقه وازداد بشكل لافت خاصة داخل الفناء الإسلامي ومعها حدثت طفرة كبيرة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال وهو ما ترجم بمصطلح الثّورة التكنولوجية. ربما لم نكن نسمع كثيرا بما يحدث في العالم لولا تنامي حجم الشبكات العنكبوتية التواصلية المجتمعية، وربما لم يكن حجم العمليات الإرهابيّة ليزداد لولا وجود دعائم يستند عليها دعائيّا، فمجتمعات عالم الحرب الكونيّة الثانيّة مثلا لم تسمع بكثير من العمليات العسكريّة والعديد من التفاصيل والجزئيات التي كانت تعج بها ساحات الوغى، بسبب ضحالة وسائل نقل المعلومات رغم قوّة وصلابة وتأثير تلك العمليات، كذلك لم يكن لحجم العمليات المسلحة خارج نطاق الحروب التماثلية أن يكبر وقتها، لكن ما يحدث الآن من عمليات وهجمات ونزاعات لا تماثليّة وتغذيتها دعائيا بوسائل وسائطيّة نحو الفيس بوك أو الواتس آب أو تويتر وغيرها.
الولايات المتحدة الأمريكيّة لعبت دورا بارزا في منح الإرهاب بعدا عالميا في كل منطقة أو ساحة تناهض سياساتها وقناعاتها وهو ما تأكد عمليا لمّا حلّت لعنات هذا السرطان بالدول الإسلاميّة على شكل حركات وفصائل وميليشيات حتى وإن إختلفت في مسمياتها فإن هدفها واحد موحّد.
تناقل أخبار العمليات الإرهابيّة عبر وسائل الإعلام والاتصال كان له أيضا وجه آخر –إبلاغي تحذيري- ومن ورائه رسالة أمريكيّة مفادها -هذا جزاء كل من يناهض أو يناوئ المعتقد أو المشروع الأمريكي الذي يجب أن يسود ويستشري دون سواه، كذلك في رسالة مضمونها- احذر فربما تكون أنت المستهدف القائم-.
محاولة إرضاخ وتركيع العالم وتوجيه بوصلته قِبل أمريكا بشكل إمبريالي لم يكن بالإرهاب المادي المطلق فحسب بل كذلك بالإرهاب المعنوي اللفظي حين أطلقت القوّة الأولى في العالم العنان لتصريحات ناريّة من طرف أكبر قياديها بمناسبة أو من دونها ضد كل من ضادها حتى ولو كان من حظيرة الدول الموصوفة بالكبرى في صورة روسيا والصين وحتى دول الإتحاد الأوروبي.
أمركة غير المؤمرك كانت سياسة واضحة وهدفا ممنهجا غداة نهاية الحرب الباردة وتهالك الغريم اللدود، حين المناداة بالنظام الدولي الجديد غداة الحشد الدولي بقيادة أمريكا على العراق من طراف العرّاب جورج بوش ومحاولة فرض التنميط الأمريكي وإعطائه البعد العالمي في كل المجالات خاصة الاقتصادية والثقافيّة والذي ظهر جليّا في الأحلاف الاقتصادية وسلسلة الاستثمارات والمبادلات ثم في إنشاء أو مساهمة أمريكا في إنشاء الثورة الافتراضية عن طريق المنصات المختلفة كالفيس بوك وغيره والتي عملت على المساهمة في توطين ونشر السياسة الأمريكيّة وجعل العالم كله عبارة عن قرية كونيّة صغيرة تدين بالولاء للمشروع الأمريكي الكبير والذي لا ينتهي بذهاب قادة البيت الأبيض، بل سيبقى كونه يشكّل لبنات المرتكزات الفكريّة للسياسة الأمريكيّة.