عزيز فيرم يكتب: لغة الضاد، تحدًّ واستشراف
اللغة العربية أو اللغة العالية، هي واحدة من ضمن العديد من اللغات المُتكلّم بها عبر العالم، واحدة من أقدم اللغات على الإطلاق وأشدها انتشارا وأعظمها دقة وأجملها نطقا، اللغة العربيّة اليوم يتكلم بها ما يفوق الأربعمائة متكلم عبر 23 دولة وهي من بين اللغات السّت الأكثر تداولا وتكلما بها في العالم بأسره من بين 12 لغة تكتب من اليمين إلى اليسار.
اللغة العربيّة هي كذلك لغة القرآن العظيم (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) ولغة السنّة النبويّة الشريفة، وبذلك يزيدها الله تعالى فخرا ورفعة بين اللغات على الإطلاق، وبالإسلام ارتقت لتتحول من لغة الأشعار إلى لغة الإبداع والأفكار، ولئن جاءها التشريف السماوي العزيز، فإننا كعرب يجب أن نعترف بتقصيرنا الجسيم نحوها وهي لغتنا، نحن اليوم أمام تحديات كبيرة من أجل السمو بها وأمام مشاكل حقيقيّة كادت تلغي كينونة اللغة الأفضل والأجمل في هذا العالم الفسيح.
لغتنا انغمست أو غُمست في لغات أخرى بحسن أو بسوء نيّة من أجل توجيهها نحو الحداثة والقوّة، كذلك فإننا نلحظ ربط بعض النّاس بين تهاوي منظومتنا الحضارية والتكنولوجيّة والاقتصادية وتراجع وهج وقوّة لعتنا رغم أن كثير من الدّول حافظت على جميع مقوماتها وإرثها الهوياتي ومنها اللغة في صورة اليابان وألمانيا..وأعظم تلك التحديات أن نرى أطرافا محسوبة علينا تدعو بالفم المليان إلى اتخاذ اللهجة العاميّة بدلا من الفصحى واللغات الأجنبية بدلا عن العربيّة بدعوى أن تلك اللغات هي لغات الحضارة والعلم والمعرفة..
لكن ثمة كذلك تحديات أخرى نحو عولمة الثقافات حيث تريد الولايات المتحدة الأمريكيّة خاصة والغرب عامة بلع جميع الهويات الأخرى وصهرها في البوتقة الغربيّة، في ظل منافسة شرسة بين مختلف اللغات العالمية التي تريد أن تفرض هيمنتها وسيطرتها على بالقي اللغات ونرى اليوم كيف أن لغة مثل الإنكليزية كيف أصبحت عالمية بل إنها أصبحت اللغة العالمية الأولى تكلما.
ولنا أن نستشرف آفاق لغتنا فنقول أنه ربما علا كعبها فقط بإيلاء أكبر اهتمام بها وتدارسها وتوحيد اللهجات المحلية إلى لغة واحدة، وقبل ذلك الاهتمام بالنّص القرآني كمرجعيّة هامة لبناء اللغة، ثم التوجه نحو تعريب النّصوص وتعريب المناهج والعمل على السيطرة على تغريب العقل العربي ومحاربة استلاب موروثه القيمي ووجوبية زرع الثقة في نفوس الناشئة بغعتزازهم بعربيتهم.
لكن إذا لم يحدث الأمر ذاك، فإن لغتنا ستصبح رهينة الوضع الراهن الذي لا يخدمها لا محالة تأكيدا، ولذلك فإن حجم التحديات يفرض علينا ضرورة رفع السرعة إلى قصواها والتحدي إلى تحدٍ أكبر منه.
ورحم الله الشاعر أحمد شوقي لمّا قال:
إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِنًا
جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ